أخبارسياسة

حول مؤتمر AUSACO بالداخلة وإعادة تشكيل المقاربة الأممية لنزاع الصحراء المغربية

بقلم: زكية لعروسي

في مدينة الداخلة، حيث يلتقي المحيط بالصحراء، وحيث تتلاقى الجغرافيا بالاستراتيجية، التأم شمل نخب فكرية، قانونية، دبلوماسية وبرلمانية من أربع قارات في إطار النسخة الثانية من مؤتمر السياسة لـ التحالف من أجل الحكم الذاتي بالصحراء (AUSACO). غير أن البيان الختامي لم يكن مجرد خاتمة شكلية، بل جاء بمثابة مانيفستو سياسي وفكري يدعو، دون مواربة، إلى هدم الأسس التقليدية للمقاربة الأممية، وإعادة بنائها على ضوء تحولات جيوسياسية تجاوزت منذ زمن الخطاب البائد لجبهة انفصالية وهمية.

فمن خطاب التجميد إلى دينامية الاعتراف. البيان، الذي سمّي عن جدارة بـ”إعلان الداخلة”، لم يخف أن مقاربة الأمم المتحدة، القائمة على مسلمات قديمة، أصبحت عاجزة عن مجاراة واقع جديد يتشكل كل يوم. واقع يتجلى في الدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، وفي تهاوي الخطاب الانفصالي، بل في اعتراف ضمني وعلني من دول تمثل اليوم أكثر من نصف المجتمع الدولي، بأن الصحراء مغربية بالسيادة والتاريخ والمستقبل.

هذا الاعتراف لم يعد حبيس المواقف الدبلوماسية، بل ترجم إلى فتح 32 قنصلية عامة في العيون والداخلة، من كل القارات، في ما يعد ضربة موجعة للأصوات التي ما زالت تصرّ على جرّ العالم إلى متاهة “تقرير المصير” بصيغته المجتزأة.

ولعل أقوى ما ورد في الإعلان، كان نداءه الصريح إلى الجزائر، بأن تكفّ عن لعب دور “الراعي الخفي” وتتقمص دور الطرف المسؤول بوضوح ” جا ياكل الفريك ورجع اشريك”. جزائر اصبحت صمت يدين أكثر مما يخفي. إعلان يدعو لتحمّل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه الوضع الكارثي في مخيمات تندوف، حيث القانون الدولي غائب، والكرامة محتجزة، والأصوات مكممة باسم “قضية لا تملك مقوماتها”.

هل يمكن لدولة أن تروّج لمظلومية الغير وهي تمارس سياسات اللاتصريح واللاتحمل؟ هل يعقل أن تستمر الجزائر في رفضها للجلوس كطرف مباشر في نزاع تساهم في تأجيجه سياسيا وماليا وإعلاميا؟

التحالف، الذي يضم أكثر من 3.000 شخصية مرموقة، لا يدافع عن المغرب فقط، بل عن منطق سياسي جديد يقوم على الواقعية، التوافق، والاستقرار. فمبادرة الحكم الذاتي ليست فقط مشروعا لحل النزاع، بل هي رؤية استراتيجية لتحويل الصحراء المغربية إلى منصة عابرة للقارات.

من مشروع أنبوب الغاز العملاق مع نيجيريا، إلى المبادرة الملكية لأطلسية جنوبية تربط إفريقيا بالعالم. إن الصحراء تتحول من “نزاع حدود” إلى مركز نفوذ اقتصادي وأمني وحضاري.

فالكلمة الأخيرة ليست للأمم المتحدة، بل أمست للواقع. إذ أن بيان الداخلة لا يعارض الأمم المتحدة، بل يدعوها إلى أن تواكب اللحظة الجيوسياسية، وأن تتخلى عن مناهج تقليدية لم تثمر سوى الجمود. اليوم، المطلوب ليس فقط تيسير المفاوضات، بل إدراك أن الحل ليس بيد من يرفض الواقع، بل بيد من يصنعه.

الصحراء المغربية ليست ملفا سياسيا فقط، بل قضية هوية، ذاكرة، وكرامة وطنية. وأمام التحولات العميقة في موازين القوى، لم يعد مقبولا أن تظل بعض المؤسسات الدولية رهينة روايات عفا عنها الزمن.

دعونا لا نبالغ في التفاؤل، لكن لا نرتكب جريمة التشاؤم. فالحق حين يُعزّز بالإنجاز، والتاريخ حين يُدعم بالجغرافيا، والسيادة حين تكتبها التنمية على الأرض… يصبح أي تردد أممي، مجرد تأجيل لحتمية اسمها: الصحراء مغربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci