أخبارفي الصميممجتمع

تعددت المظاهر والتخلف واحد (حكايات عاشوراء وتوابعها)

(سعيد بوعيطة: باحث مغربي)

بقلم: سعيد بوعيطة

إذا كان الفيلسوف والطبيب ألكسي كاريل قد بدأ كتابة (الإنسان ذلك المجهول/L’Homme, cet inconnu ) الصادر في طبعته الأولى في فرنسا سنة 1939بهذه الكلمات:” لست فيلسوفا، ولكنني رجل علم فقط، قضيت الشطر الأكبر من حياتي في المختبر أدرس الكائنات الحية، والشطر الباقي في العالم الفسيح أراقب بني البشر، وأحاول أن أفهمهم، ومع ذلك فإنني لا أدعي أنني أعالج أمورا خارج نطاق الملاحظة العلمية”. مما يجعل الإنسان (حسب ألكسي كاريل) في حاجة إلى البحث والدراسة، لاستيعاب ممارساته وسلوكاته المختلفة. ومهما يكن الأمر، يبقى الإنسان مجهولا.

يجد استحضارنا لتصور الفيلسوف ألكسي كاريل هذا، ما يبرره في تلك الممارسات التي عرفتها أغلب المدن المغربية (سلا، مراكش، الدار البيضاء …الخ) بمناسبة عاشوراء. وما رافق ذلك من سلوكات سلبية في الفضاءات العامة، وخروقات قانونية أحيانا. لهذا، فإذا كان ألكسي كاريل يصف الإنسان بذلك المجهول الذي يستوجب المزيد من الدراسات والبحوث، فإننا نصفه (من جهتنا على الأقل)ب”الإنسان ذلك المتخلف”. على الرغم من تعدد الأسباب الكامنة وراء ذلك. لأننا بكل بساطة في عصر لا يستسيغ هذه الممارسات وهذا السلوك.

عاشوراء بصيغة الجمع

مظاهر إحياء عاشوراء مختلطة ومتضاربة إلى حد التناقض أحيانا. تمتزج فيها الاحتفالات والفرجة و الفرح في بعض البلدان، وخاصة المحسوبة على السنة. تقابلها في مناطق أخرى، تظاهرات الشيعة وطقوسهم التي تعمل على استرجاع واقع كربلاء في جو مشحون بالحزن والبكاء. ليشكل العاشر من محرم لدى الشيعة، إحياء للحزن على استشهاد الحسين بن علي والعديد من أفراد أسرته وأنصاره في يوم مثله. حيث يرش ويوزع الماء للتذكير بالعطش الذي عانى منه الحسين بن علي في صحراء كربلاء. كما تشعل النيران في تشبيه بالحرارة المفرطة التي عانوا منها. وما يصاحب ذلك من مظاهر تعنيفية للأجساد لطما وبكاءا للتخلص من الذنب حسب معتقداتهم. أما في مناطق أخرى من أرض الله الواسعة، فيقوم اليهود باحتفاليات وصيام وصلوات. تصل هذه الاحتفالات أحيانا إلى حد التعارض والتناقض. حيث يتقاطع ما يعيشه العالم الاسلامي، والمجتمع اليهودي في العشر الأوائل من الشهر الأول من السنة بالتقويم الهجري في يوم عاشوراء. حيث يعيش اليهود مثله بطقوسهم وعاداتهم في الشهر الأول من السنة العبرية. وهي أيام معتبرة دينيا سواء عند المسلمين أو عند اليهود بغض النظر عن نقط الإلتقاء والإختلاف.

نحن وعاشوراء

ارتبط هذا اليوم عند اليهود، بواقعة نجاة سيدنا موسى (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ) سورة البقرة/ الآية 50 ، ف فتحولت عندهم إلى عيد (عيد كيبور) /يوم الغفران ، والذي يؤرخ له في اليوم العاشر من الشهر الأول بالتقويم العبري. إنه يوم عاشوراء الذي يصومه اليهود، ومتم الأيام العشرة المقدسة المخصصة للتوبة لديهم. وإذا كان سيدنا موسى قد نجا من الغرق المحقق، فهل هذا الجيل المتخلف الذي يمارس هذا السلوكات اليوم، سينجو من غرق التخلف؟ طبعا لن تنجو، لأنه غارق حتى الأذنين كما يقال. ليس في البحر الذي ابتلع فرعون طبعا. بل غارق في الدموع والتباكي على أحواله، غارق في الديون، غارق في النوم، غارق في الهم والغم، غارق في الجهل والثفاهة، غارق في الفقر… الخ. حتى أصبح لا يميز بين الأشياء. يمارس سلوكات وطقوس غريبة في الفضاء العمومي (هنا نستحضر طقوس عاشوراء). طقوس هي عبارة عن خليط وتداخل بين عادات اليهود في عاشورائهم، وما أحدثه بعض الشيعة من طقوس وعادات لا علاقة لها بالدين، مع بعض مظاهر الفرحة الاحتفالية الغريبة التي تعرفها شوارعنا وساحاتنا وحوماتنا من إشعال النيران، وتفجير المفرقعات، والتراشق بالمياه في زمن نحن بحاجة إلى كل قطرة ما، إضافة إلى ذلك الموروث المغربي الشعبي (الذي يمارسه الكبار والصغار) الذي ازدهرت فيه تجارة بيع الطعارج والبنادر والمفرقعات والشهب النارية.

عاشوراء والجهل المركب

تعود الإنسان المغربي على جعل شهر محرم، بمثابة الشهر الذي يتم فيه إحصاء ما يملك الإنسان من أموال، ليخرج فيه الزكاة. لهذا، ارتبطت عاشوراء عندنا بالزكاة. بهذا، يكون الطلب كثيرا في العشر الأوائل من محرم وخاصة اليوم العاشر للحصول على حق عاشوراء (العواشر) من طرف جحافل من المتسولين (المحترفين). تنضاف إليهم أفواج من مختلف الأعمار وخاصة الأطفال الذين ينتهزون الفرصة للحصول على دريهمات من المارة في الفضاءات العامة لشراء المفرقعات أو أغراض أخرى. لتستمر هذه العادة عند الأطفال، على الرغم من انصرام أيام عاشوراء. تساهم هذه الوقائع وغيرها، على إنبات المزيد من التخلف ومظاهره المتعددة. حيث يتحول ذلك إلى جهل مركب. فعلى الرغم من البعد الديني الذي يضفيه البعض على عاشوراء، فإن الدين الصحيح لا علاقة له بهذه الطقوس والممارسات. لأن أساسه (الدين) هو بناء للإنسان، وبناء لمجتمع العلم والمعرفة. وهذا البناء هو الكفيل للتخلص من ثقافة ومظاهر التخلف والجهل. لكن الأسئلة التي تواجهنا في هذا الشأن، كما في باقي القضايا الشائكة الأخرى، هي: من المسؤول عن هذا السلوك والممارسات؟ هل هي الأسرة التي فقدت البوصلة؟ هل هي المدرسة التي تفككت عناصرها الأساسية؟ هل هي التنشئة الإجتماعية الهشة؟ لهذا كله، نتساءل كذلك: إلى متى ستبقى دار لقمان على حالها في زمن التطور التقني والذكاء الإصطناعي الذي يتم التشدق والتبجح به كل يوم؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci