
بقلم: سعيد بوعيطة
يطرح الحديث عن العلاقة الممكنة بين الصحافة والديمقراطية، عدة تساؤلات شائكة، نظرا لضبابية هذه العلاقة، وعدم وجود نظرة علمية شاملة، لعلاقة الإعلام بالديمقراطية أو بالانتقال الديمقراطي. لكن إذا كان من الضروري أن تسبق عملية تحرر وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، خطوات الانتقال الديمقراطي أو العكس، فإن الباحث يجد نفسه في هذا الإطار، أمام سؤالين محوريين، هما: ما هو دور حرية الرأي والتعبير في حركة التحول الديمقراطي؟ هل ممارسة هذا الحق يؤدي إلى الانتقال الديمقراطي، أم أنه فقط يؤدي إلى استمرار النظام غير الديمقراطي؟
الصحافة والديمقراطي، أية علاقة؟
أبرزت أغلب الدراسات التي اهتمت بالعلاقة الممكنة بين وسائل الإعلام والديمقراطية، وجود ثلاثة اتجاهات أساسية. يؤكد الأول على الدور الفعال للإعلام وأهميته في الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، على أساس أن وسائل الإعلام أداة ضرورية في كل إصلاح سياسي. فيما ينفي الإتجاه الثاني وجود أية علاقة ممكنة بين وسائل الإعلام والإصلاح السياسي. مما يجعل التصور الثاني، يقلل من أهمية دور وسائل الإعلام في عملية الانتقال الديمقراطي. أما التصور الثالث، فيذهب إلى القول بوجود علاقة ممكنة. تعطي للإعلام أدوارا محددة في مرحلة الانتقال الديمقراطي. لكن على الرغم من هذا التفاوت في التصورات والآراء، فإن التصور المرجح، يعتبر حرية الرأي والتعبير بصفة عامة وحرية الإعلام بصفة خاصة، هي روح الديمقراطية ورافعتها الأساسية. لأن الارتباط الوثيق بين حرية الإعلام والديمقراطية أوالانتقال الديمقراطي، يجعل التعددية السياسية مستحيلة، من دون إطلاق حرية الرأي والتعبير التي تعتبر من مكونات النظام الديمقراطي. لكن في المقابل، لا تكون حرية الرأي والتعبير في الأنظمة الشمولية في حالة ملائمة مع البناء الديمقراطي. خاصة إذا بقيت هذه الحرية تحت سيطرة قيود الحكومة، وذلك من خلال قوانين الصحافة الصارمة وملكية الدولة لوسائل الإعلام، أو من خلال العقوبات والتهديدات الاقتصادية للمؤسسات الإعلامية العامة والخاصة. فهل توجد سياسات إعلامية خاصة في عالمنا العربي، تجعل حرية الإعلام أساس البناء الديمقرطي؟
حرية الصحافة والبناء الديمقراطي
تجمع أغلب الدراسات في هذا الجانب إلى غياب سياسة إعلامية ناجعة في عالمنا العربي. لأن النظام الإعلامي لأي بلد عربي اليوم، يتساوق مع نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقيمه الثقافية. وإن كانت تجمع بينها سمات عامة مشتركة، إلا أن الأهداف والوظائف والسياسات الإعلامية، تختلف من قطر عربي لآخر، تبعا لدرجة تطور كل قطر على حدة، وتبعا للسياسة العامة لكل بلد. حيث عملت هذه الحكومات على تسخير الصحافة لدعم نفوذها السياسي والتأثير في القرارات التي يمكن أن تخدم سياستها. بهذا، يمكن القول إن العلاقة التي تربط الإعلام بالسياسة سواء على المستوى الدولي عامة، أو على مستوى المنطقة العربية، هي علاقة تأثير وتأثر. حيث لا يمكن تصور أنظمة سياسية بدون وسائل إعلام تربط بينها وبين مكونات المجتمع. إلا أن العالم العربي ظل مستعصيا عن الدمقرطة في هذا الإطار، باستثناء بعض البلدان العربية التي عرفت تحولا ديمقراطيا (ولو بشكل نسبي)، شمل جميع الميادين. لكونها تبنت صيغ مختلفة من التعددية الحزبية وتوسيع هامش الحريات الصحفية. لهذا، ظل الإعلام العربي بعيدا عن أي تحول ديمقراطي، على الرغم من الضغوط المزدوجة من الداخل والخارج، والمطالبة بإنهاء احتكار الدولة لوسائل الإعلام وإطلاق الحريات الإعلامية. سواء تعلق الأمر بتلك المبادرات التي أطلقتها مؤسسات المجتمع المدني، أو المبادرات الدولية الرسمية، أو شبه الرسمية.
الصحافة الفعالة وبناء الرأي العام الوطني
تقوم الممارسة الديمقراطية إلى جانب الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، على ركيزة أساسية، تتجلى في الصحافة. إذ تعد هذه الأخيرة أحد أهم أدوات تشكيل وعي المواطن، وتأطير المجتمع عامة. نظرا لقدرة الإعلام على التأثير في الرأي العام وتوجيه النقاشات المجتمعية نحو القضايا ذات الأولوية (الأهمية). حيث ترتكز أبرز أدوار الصحافة على مهام ومسؤوليات فعالة. أبرزها نقل الأخبار والمعلومات إلى المواطن بدقة وحياد، وتقديم مختلف الخلفيات والسياقات التي تساعد المتلقي على الفهم العميق لما يجري من حوله. لأن الإعلام المهني لا يكتفي بنقل الأحداث كيفما كانت، بل يلتزم بمعايير النزاهة، والتحقق من المصادر، واحترام الخصوصية، والابتعاد عن الإثارة الزائفة أو الأخبار المغلوطة. مما يعزز من مصداقية الوسيلة الإعلامية، ويسهم في بناء ثقة المواطن بها. مما يؤدي إلى خلق تماسك المجتمع وتحصينه ضد الشائعات والمغالطات. لأن الصحافة الناجعة والناجحة، تسهم في توضيح الصورة وتبسيط التعقيدات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. مما يمكن المواطن من اتخاذ مواقف مستنيرة قائمة على فهم واع وشامل. يساهم من خلاله في تشكيل الرأي العام الوطني، وبناء مواقف جماعية اتجاه قضايا محلية أو وطنية أو دولية. حيث تعزز هذه المشاركة البناء الديمقراطي، كما تدعم مبدأ الحوار والتنوع في الآراء. من هنا، يتضح الدور المحوري للصحافة في تأطير المجتمع وبناء وعيه السليم.
من أجل صحافة مهنية
يتطلب بلوغ المستوى السالف الذكر، تمكين الصحافي من أداء مهمته بشكل سليم. وذلك من خلال سن قوانين تفسح المجال للصحافي للبحث عن الخبر والوصول إلى صادره بقوة قانون خاص. لتشكل هذه القوانين ضمانة حقيقية لحماية الصحافي من أجل القيام بمهامه كاملة. كما تعمل على تحصين وتنظيم واحترام أخلاقيات مهنة الصحافة، وتجاوز حالة التسيب في الممارسة الصحفية، والفوضى التي تعرفها اليوم.





