بقلم: زكية لعروسي
ما الذي أصاب الرجال؟ وما سر هذا الخوف المفرط؟ الإصلاح الذي قاده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج رؤيته العميقة كأمير المؤمنين الذي يسير على نهج أجداده وأسلافه في صون الحقوق وترسيخ العدل. إنه اجتهاد متبصر يستند إلى روح الشريعة ومقاصدها العليا، ويهدف إلى حماية المرأة والأسرة، لا إلى إثارة الخوف أو النيل من الرجل.
“حلال علينا وحرام عليكن”، أهذا هو منطق الرجل المغربي اليوم؟ إن المدونة ليست سلاحًا ضد الرجل، بل ميزانًا يحقق العدالة بين الشريكين. ألم يقل الله عز وجل: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”؟ فكيف يُعقل أن تُرفع أصوات الغضب عندما تسعى الدولة إلى ضمان كرامة الأم، الزوجة، الأخت، والابنة؟
إن من يعتبر الدين حجة لرفض المدونة ينسى أن الدين والقانون وُجدا معًا لصون الحقوق وإقامة العدل. ألم يوصِ النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء قائلاً: “استوصوا بالنساء خيرًا”؟ فكيف يُترك مجال للظلم باسم التقاليد؟
لقد وضعت المدونة حدًا للعديد من الممارسات التي أهلكت كيان الأسرة وأضعفت مكانة المرأة. انتهى زمن “امرأة تمشي ومائة يجيو”، فالمرأة ليست شيئًا يُستهلك أو يُستغل. إنها أمانة وكيان مستقل، مكرمة في ديننا وشريعتنا، ومحفوظة بحقوقها في مدونة الأسرة.
ولمن يتحدث عن التعدد بلا قيد أو إطلاق بلا مبرر، فقد أتى الإصلاح ليوقف هذا العبث. لا مجال بعد الآن لمن يريد أن “يعيش كما يشاء”، متزوجًا هنا ومطلقًا هناك، تاركًا وراءه أمهات وأبناء في مهب الريح.
إن المرأة المغربية ليست خصمًا للرجل، بل شريكة في بناء الأسرة والمجتمع، دون ان تكون تابع. من قال إن دورها في البيت أقل شأنًا من عملها خارجه؟ المرأة هي القلب النابض للأسرة، وهي التي تسهر على تربية الأجيال وصون القيم. عملها في البيت يساوي أضعاف العمل خارجه، لكنها مع ذلك ظُلمت لسنوات تحت شعارات العادات والتقاليد.
أيها الرجال، إن من يخاف من هذه المدونة هو من يخشى مواجهة الحقيقة. المدونة ليست عدوًا، بل ضامنٌ لكرامة الجميع. فإن كنتم تؤمنون بالأسرة والعشرة الطيبة، فهي لكم سند. أما من كان يسعى وراء نزواته ومصالحه الذاتية، فزمن الاستغلال قد ولّى. وانتهى. قال أجدادنا: “ما يرفع راسو إلا اللي عارف حقو”، فمدونة الاسرة الجديدة هنا لتعلم احترام حقوق النساء ولتبقي البيوت عامرة بالحب والعدل. نقول كما قال الله تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، فلنكن أهلًا لهذه المودة وهذه الرحمة رجالا ونساءا.
باسم نساء الجالية المغربية، اللواتي يجسدن أسمى معاني الوعي والاعتزاز بالهوية الوطنية، نحيي المبادرة المولوية الرائدة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لتعزيز مكانة المرأة المغربية في الداخل والخارج. إن هذا الإصلاح الذي يحمل في طياته رؤية مستنيرة وشجاعة ليس استهدافًا للرجل، بل هو خطوة تاريخية نحو إنصاف المرأة وترسيخ قيم العدالة التي تُعلي من شأن الأسرة المغربية.
نحن، نساء المهجر، سواء كنا مثقفات أو عاملات في مجالات متعددة، نفخر بهذا الإنجاز الذي يكرّس دورنا كركائز أساسية لبناء المجتمع. فالمرأة المغربية هي الأم الحاضنة، والزوجة الحكيمة، والابنة البارة، وهي نبض الرحمة في كل بيت. إن المدونة التي تهدف إلى صون حقوقنا ليست مجرد قانون، بل هي انعكاس لالتزام المغرب بقيم التقدم والعدالة.
إننا، في مختلف بقاع العالم، نحمل روح المغرب في قلوبنا، ونسهم بفخر في تقدّم مساراته، سواء عبر العلم أو العمل أو تعزيز صورته الحضارية. هذا الإصلاح المولوي يجعلنا أكثر اعتزازًا بوطننا، ويؤكد أن المرأة المغربية ستظل شريكة للرجل في بناء مستقبل أفضل، بعيدًا عن الظلم والتهميش.
فلنتحد جميعًا، رجالًا ونساءً، لنصرة قيم الحق والمساواة، ولنعتز بمغربنا الذي يسير بخطى ثابتة نحو التنمية المستدامة، حيث تحظى المرأة بمكانتها اللائقة، كقلب نابض للأسرة والمجتمع.