«ليس المرأة من تقول هذا زوجي، بل أنا أفكر»

بقلم: زكية لعروسي

 

لم أخطط للكتابة عن هذا الموضوع، بل تملكتني الفكرة بعد عودتي من اليوم الرابع لملتقى الكتاب العربي الذي أُقيم في دار مصر بباريس. جاء ذلك اللقاء بعد حديثي مع السيدة المثقفة والباحثة اليمنية فتحية محمود صديق، وصديقتها السيدة هنا عبود، ومعهما السفير اليمني الدكتور والمثقف رياض ياسين، زوج الباحثة فتحية صديق.

حضر السفير الملتقى ليصفق بحرارة لزوجته التي كانت هناك لتوقيع البعض من إنتاجاتها الفكرية مثل “العربية السعيدة: ملامح من حضارة اليمن القديم” و”فلسفة التعليم الإنجليزي وسبل الاستفادة منها”، والتي اهدتني نسخة من كل منهما، كان الحديث شيقا جدا، ويستنشق ادبيات الحديث واللطافة، إذ تحدثنا عن اللغة والمرأة، فاشادت بإعجابها بالمرأة المغربية، وتقديرها لها، ورغبتها لزيارة المغرب والاحتكاك بمفكريه وباحثيه ومثقفيه.

 

 

تعمدت ألا أقول “السيدة فتحية حرم السيد السفير”، لأني لا أريد أن أقع في ما أعيبه على الأخريات. فالسفير اليمني الدكتور رياض ياسين كان حاضراً في الملتقى ليس بصفته الرسمية، بل كمثقف مؤيد لفكر ورؤية زوجته، الباحثة فتحية محمود صديق. شعرت بخجل عميق و ذاب ما تبقى لدي من “شحمة الكبرياء” التي قد ورثها من طبعي كانثى وكوني امرأة من تربية مغربية لها عزتها، وموضعها من الإعراب، ناهيك عن صنف آخر من بعض النساء اللواتي يملأن الفضاء بغرورهن رغم خواء عروشهن أو قربتهن الفكرية وعدم وعيهن بكل ما يحيط منهن من القضايا، و” كيشمو العوين بنيفهم” كما تقول امي خيرة (وهي عبارة للحديث عن الكبرياء الممزوج بالغرور)

كانت كل من الباحثة والمفكرة فتحية صديق و الاستاذة هنا عبود في قمة التواضع الفكري، وبلاغة البساطة الإنسانية، اللذان يتجسدان في سمو فكري وهدوء أنثوي، يندُرُ أن نجده.فلم أسمع منهما أي حديث عن الذات أو عن الزوج بالطريقة التي نجدها عند بعض النساء، اللواتي يفخرن ب” فتات ازواجهن” وهن تسألن : “يمكن اتشرف بك؟” لتجبن بعلياء مختنق وبجواب من صنف الوجبات السريعة: “ما عرفتينيش، انا مْراتْ القاضي أو الدكتور أو الروائي أو … او …” ناسية انهن يذبحن ما تبقى لهن من حاسة الكرامة.

اما حواسي انا كمغربية، وشويعرة فقد تقلصت امام أناقة هذا الحضور المتواضع للباحثة فتحية صديق، والأستاذة هنا عبود وتكسر ما تبقى مني من كبرياء قد يدعوني له مزاجي من المرة إلى الأخرى كانثى، حيث تركت لي انطباعا وديعا عن المرأة اليمنية التي لم احتك بها كثيرا بالمهجر، فقد رسخ هذا اللقاء مع المفكرة اليمنية القناعات التالية :

1- أن الوعي هو الذي قد يحرر النفس من أمراض كجاهلية الكبرياء، والنفاق المجتمعي كما قال الفيلسوف أبو علي مسكويه: صحة النفس تكمن في اعتدالها، ومرضها في خروجها عن هذا الاعتدال. والوعي يعيد النفس إلى طريق التوازن ويحررها من معاني الذات الزائفة ويقلص مساحة “الانا”، والكبرياء بنا إذا كبرت عمامة فضائه.

2- ان العقلاء المميزون، والفضلاء المبرزون يبقون على اصالتهم، ولا يحتاجون للتكلف الفكري او غيره مثل ” بونْعالَة” او ” بو خْنونَة” -على حد تعبير والدتي ما خيرة- ، وكما قال ابو علي مسكويه – الاستحقاق والتقدير، والتواضع والتميز، اشياء تعرف للإنسان من غير تكلف ولا كذب، ومن فعل عكس ذلك فهو مُغِرٌّ، ومغرور ومخادع ( بتصرف من كتاب الهوامل والشوامل لمسكويه). و هذا ما يجب أن يكون معيارا لتقدير لذواتنا. حتى تحصل صورة التأحد الذي هو سبب كل فضيلة وشريعة التعايش وبدء التبادل، والعطاء الثقافي.