الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون «بإفريقيا، من أجل إفريقيا».. السيادة التكنولوجية للقارة الأم في صلب الدبلوماسية الملكية

بقلم: زكية لعروسي

تشهد إفريقيا اليوم تحولات كبرى في مختلف المجالات، حيث أصبحت التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي (AI) محركات أساسية للتنمية والحوكمة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في كيفية توظيف هذه الأدوات لتعزيز الهوية الإفريقية والاستقلالية التكنولوجية بعيدا عن الهيمنة الخارجية. في هذا السياق، تبرز الدبلوماسية الملكية المغربية كقوة دافعة نحو بناء رؤية إفريقية موحدة للذكاء الاصطناعي، ترتكز على القيم الأخلاقية، المسؤولية، والسيادة الرقمية.

تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، أظهر المغرب التزاما قويا بدعم إفريقيا في المجال التكنولوجي، مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون “بإفريقيا، من أجل إفريقيا”. في كلمة وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أمام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، شدد على أهمية بناء ذكاء اصطناعي إفريقي مستقل ومسؤول، يراعي الخصوصيات المحلية ويستجيب لاحتياجات القارة.

 

 

يدرك المغرب أن مستقبل الذكاء الاصطناعي في إفريقيا لا يمكن أن يكون مجرد استيراد للتكنولوجيا، بل يجب أن يكون استثمارا في العقول والمواهب الإفريقية، مع التركيز على تطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز السيادة على البيانات، وتقليل التبعية التكنولوجية للخارج.

رغم الفرص الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، تواجه إفريقيا تحديات كبيرة تحول دون تحقيق استقلاليتها التكنولوجية، من بينها:

-ضعف البنية التحتية الرقمية:

لا يزال 60% من سكان القارة بدون اتصال بالإنترنت، مما يشكل عائقا أمام الاستفادة الكاملة من التكنولوجيا.

-نقص البيانات المحلية: أقل من 2% من البيانات المستخدمة في أنظمة الذكاء الاصطناعي مصدرها القارة الإفريقية، مما يجعل الدول الإفريقية تعتمد على بيانات غير مناسبة لواقعها.

-هجرة العقول:

تمتلك إفريقيا أقل من 1% من المواهب العالمية في الذكاء الاصطناعي، حيث يفضل العديد من المتخصصين الهجرة إلى الخارج بحثا عن فرص أفضل.

-الأمن السيبراني والتهديدات الرقمية:

شهدت القارة زيادة بنسبة 300% في الهجمات الإلكترونية بين عامي 2019 و2022، إضافة إلى استخدام الجماعات الإرهابية للطائرات المسيّرة في هجماتها.

انطلاقا من التزامه بدعم إفريقيا، قدم المغرب مجموعة من المبادرات العملية لتعزيز قدرات القارة في الذكاء الاصطناعي، من بينها:

-إنشاء صندوق إفريقي للذكاء الاصطناعي لدعم البحث العلمي والابتكار في هذا المجال.

– إطلاق استراتيجية قارية لجمع البيانات وتحليلها، بهدف تعزيز المحتوى الرقمي الإفريقي.

– تنفيذ برامج تدريب واسعة لتطوير المهارات المحلية في الذكاء الاصطناعي، وهو ما ينسجم مع خطة “المغرب الرقمي 2030” التي تستهدف تكوين 100 ألف متخصص سنويا.

-إقامة شراكات دولية لتعزيز مكانة إفريقيا في الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي، حيث لعب المغرب دورًا أساسيًا في تبني الأمم المتحدة لأول قراراتها حول الذكاء الاصطناعي.

تميزت الدبلوماسية المغربية بنهجها العملي والاستباقي في قضايا التنمية والتكنولوجيا داخل القارة الإفريقية. فمن خلال مبادراته المتعددة، لم يكتف المغرب بالمطالبة بتعزيز الذكاء الاصطناعي في إفريقيا، بل قدم نموذجا ملموسا يُحتذى به.

تعكس هذه الجهود الرؤية الملكية التي تؤمن بأن إفريقيا قادرة على تحقيق نهضتها الرقمية عبر التعاون والتكامل، بدلا من انتظار الحلول الخارجية. فكما قال جلالة الملك محمد السادس:
“إفريقيا يجب أن تؤمن بقدرتها على رسم مستقبلها بيدها”، وهو ما يجعل المغرب شريكا أساسيا في دفع القارة نحو سيادة تكنولوجية حقيقية.

إن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تكنولوجية، بل هو عامل رئيسي يعيد تشكيل العلاقات الدولية وموازين القوى. وأمام إفريقيا اليوم خياران: إما أن تتحد وتستثمر في قدراتها لبناء ذكاء اصطناعي يخدم مصالحها، أو أن تبقى مجرد مستهلك لتكنولوجيا الآخرين، مما يعمق تبعيتها الاقتصادية والسياسية.

الدبلوماسية الملكية المغربية، بمبادراتها الاستراتيجية، تقدم نموذجا واضحا لما يمكن أن يكون عليه مستقبل إفريقيا الرقمي: قارة مستقلة، قوية، ومبتكرة، تُسخّر الذكاء الاصطناعي كأداة للتنمية والاستقرار، بدلا من أن تصبح ضحية للتحولات التكنولوجية العالمية.