
بقلم: زكية لعروسي

في زمن يشهد تشظي التحالفات وتصدع خرائط المصالح، تطلّ الدبلوماسية المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، كمنارة للحكمة والتبصّر، تترجم رؤى استراتيجية متبصّرة إلى مواقف دولية راشدة وفاعلة. وفي خضم هذه الدينامية المتسارعة، جاءت زيارة السيد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتؤكد من جديد الثقل الذي بات يحتله المغرب في ميزان الشراكات الدولية، وبخاصة مع القوى الكبرى.


ديبلوماسية الرؤية الملكية استباق لا انفعال فيه. فليست هذه الزيارة حدثا عابرا، بل هي تتويج لمسار مدروس رسم معالمه جلالة الملك، بتثبيت المغرب كفاعل محوري في محيطه الإقليمي والدولي، بفضل استقراره السياسي، ومكانته المتفردة كحليف موثوق وشريك سلام في منطقة تعجّ بالتقلبات. وقد كان المغرب أول بلد مغاربي توجهت إليه إدارة الرئيس ترامب بدعوة رسمية، ما يكشف عن المكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب في أعين صانعي القرار الأمريكي.
في مقابل “عبثية بوهزاز ” الذي تعاني بها الجزائر من أزمة مصداقية سياسية ودبلوماسية، وتلهثات يائسة وراء بوابات التأثير في دوائر القرار الأمريكي، متنقلة بين ملفات الدفاع والطاقة والزراعة، دون هوية دبلوماسية أو مشروع واضح، تثبت الدبلوماسية الملكية أنها قائمة على الثبات، لا على المزايدات، وعلى المبادرة، لا على ردّات الفعل. إن ما تُسمى “دبلوماسية الجزائر” ليست سوى صدى لخطاب فقد صلته بالواقع، تحركه الهواجس العدائية أكثر من المصالح الوطنية الحقيقية، وتغيب عنه الحكمة التي يبنى بها المجد وتصان بها السيادة.
تحالف المغرب والولايات المتحدة هو تحالف من ذهب، إذ لا تقاس العلاقات المغربية الأمريكية فقط بحجم التبادل التجاري، رغم تضاعف قيمته ست مرات منذ توقيع اتفاق التبادل الحر، بل بعمق الشراكة الاستراتيجية الممتدة في الدفاع، والأمن، والاستثمار، والتعاون الإنساني. منذ سنة 2004، حظي المغرب بصفة “حليف رئيسي من خارج الناتو”، ويحتضن التمرين العسكري الأكبر في إفريقيا “الأسد الإفريقي”، ما يعكس مستوى الثقة والشراكة المتينة. والأهم أن المغرب بات ينظر إليه في واشنطن كركيزة استقرار إقليمي لا غنى عنها، خاصة في قضية الصحراء المغربية، التي أكد الأمريكيون دعمهم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، باعتبارها الجسر الوحيد نحو حل عادل ودائم.
اصبحت الديبلوماسية المغربية درسا من الدروس في السيادة والاعتدال، فبينما تتخبّط أطراف في الإقليم في خطابات العداء والتآكل الداخلي، يقدّم المغرب نموذجا فريدا في دبلوماسية السيادة النبيلة، التي تدافع عن الحقوق بثبات، وتبني الجسور لا الجدران. فبفضل التوجيهات الملكية السامية، أضحت الدبلوماسية المغربية تتقن فن التوازن بين الدفاع عن القضايا الوطنية المصيرية، وبين الالتزام بمسؤولية دولية قائمة على الحوار، والتعاون، والاستباق.
إن الدبلوماسية الملكية ليست مجرد أداء وظيفي، بل هي تجلٍّ لحكمة عريقة، تنهل من تاريخ الإمامة العلوية، وتتحرك ببوصلة المصالح العليا للمملكة، وتراكم الشرعية في كل منبر دولي. وفي عالم لا يرحم الضعفاء، ولا يمنح الشرعية لمن لا يتقن اللغة الرفيعة للمصالح والقيم، يؤكد المغرب، مرة أخرى، أن صوته حاضر، ومكانته محفوظة، ورؤيته ملكية، بقدر ما هي سيادية، هي إنسانية، متجذرة، وواثقة الخطى.






