مذكرات عائلة مقاومة حذفت تاء تأنيثها (الحلقة الثانية)

بقلم: زكية لعروسي

قبل أن أتحدث عن مقاومة العائلة ودورها في مكافحة المستعمر، من المهم أن نستعرض مسارها الصوفي وتجلياته الروحية على فكر افرادها ووطنيتهم. فالتأثير الصوفي كان جوهرياً في تشكيل فكرهم الوطني وروحهم المقاومة, إذ كان انتقال الأجداد (ولا اعرف من كان اولهم) إلى تلمسان واعتناق الطريقة الرحمانية منعرجا مهما في مسار أبنائهم الكفاحي. فالزوايا كانت في عهد الاستعمار طريقة مبطنة لتجنيد المقاومين، وبث روح الفكر الثوري، وتعزيز الروح الوطنية بتوعية الطلبة من خطر تواجد القوى الاجنبية، هذا بالإضافة إلى دورهما العلمي والمعرفي الكبيرين. ولكن يبقى السؤال لماذا تلمسان؟

استقر الجد القاضي سيدي علي العروسي ووالده بالحيانة بتلمسان، هذه الاخيرة التي كانت خاضعة قبل الغزو التركي (1554) إلى المغرب في االفترة الإدريسية (790-931) والفترة المرابطية (1078-1143) والفترة الموحدية (1143-1236) ثم الفترة المرينية (1337-1358), وحتى فترة من الحكم العلوي، وكانت تلقب بلؤلؤة المغرب الكبير، فقد تبوأت مكانة علمية مرموقة في القرن التاسع عشر، بحيث عم إليها الكثير من العلماء والزهاد والعباد من الأندلس والمشرق، والمغرب.. وكانت تتصدر المركز التعليمي الأول، إذ اجتمع فيها من الأسباب للنهوض بالعلم ما لم يتهيأ لغيرها من المدن العلمية الاخرى. فدرَّس بمساجدها، ومدارسها البعض من الأجداد العروسيين، ومارسوا الإمامة والخطابة وعلموا الفقه ووسعوا مساحاتهم العلمية باعتناق الطريقة الرحمانية الخلوتية (وجود مخطوطات لخطبة احد الاجداد في عهد السلطان مولاي عبد الرحمان و مراسلات شعرية بين الجد السيد علي العروسي واساتذته بالجزائر عندما عاد منها قافلا إلى المنطقة الشرقية وبالضبط “دوار الطرشة” بناحية بركان.

عودة الجد السيد علي العروسي من تلمسان إلى احضان تربة الوطن

بعد سنوات بالحناية في تلمسان، وممارسة سلوكيات الطريقة الرحمانية، والاشتغال كاستاذ في علوم الفقه واللغة والنحو بزاوية الهامل ببوسعادة، وزاوية بلفضل بالجزائر العاصمة (لن استفيض فيما قاموا به اجدادي من إنجازات لان الذي يهمنا هنا استقرارهم بالمنطقة الشرقية)

قرر الجد القاضي السيد علي العروسي مغادرة الحناية، بعدما انقطعت اخبار والده محمد بن أحمد العروسي الذي غادر عائلته ليستقر بدوار “المَنْزْل” الواقع في الجهة الغربية في اتجاه بركان، ليصبح إسمه ساطعا في منطقة بني يزناسن، إذ كان إماما وخطيبا متمكنا من فن الخطابة بمسجد المنزل نظرا لتمكنه من اصول الفقه والشريعة وعلم النحو واللغة. مع ممارسة مهنة التدريس لهذه العلوم وتحفيظ القرآن والحديث لابناء ” الدُّوَّارْ”.

فلما أمست الاخبار نادرة عن الجد الأكبر محمد بن أحمد العروسي، والمعلومات التي كان يلتقطها ابنه السيد علي العروسي من التجار الوافدين من “المَنْزَل” (الذين كان يرتشف بصحبتهم كؤوس الشاي أو القهوة بالمقهى المتواجد بالسوق الأسبوعي بالحناية) تقل شيئا فشيئا.. لتنقطع نهائيا، زاد هذا من قلقه، وكيف لا وهو الذي كانت تربطه بابيه علاقة المريد بشخيه. لم يفكر كثيرا ولا قليلا، رغم ارتباطه بالحيانة بتلمسان، وبمسؤولياته العلمية والتدريسية المنوطة إليه بين جدران المدارس هناك، فجهز بغلته بعدما قام بصلاة الفجر، وحزم امتعته التي كانت عبارة عن صمغه والدواية والريشة، و”زعبولته”، و قناطير من العلم والكتب، الشرعية والفقهية ومخطوطات مهمة في مجال الفقه ك”شرح تحفة الحكام في نكت العقود والاحكام لبنت فكر ابن عاصم” لمؤلفه ابي عبد الله محمد بن الطالب بن علي التناوديبن سودة المتوفي 1209ه. واخرى في مجال السيرة مثل: “جوهرة العقول في ذكر آل الرسول” لأبي زيد عبد الرحمان الفاسي المتوفي سنة 1096 ه. ويحتوي هذا المخطوط في أوله على قصيدة تائية لعلي بن محمد بن احمد العروسي. وهما بحوزة المكتبة الوطنية بالرباط، لانهما نالا جائزة محمد السادس لفن الخط المغربي للدورة الأربعين.

كتب ومخطوطات ومؤلفات سيستعينون بها ابا عن جد لتدريس كل ما يتعلق بعلوم النحو واللغة ( شرح الفية بن مالك وكتبها بخط اليد), وغيرها من علوم, ستعطي أكلها, من خلال شخصيات بارزة تتلمذت على يد الجد المباشر القاضي السيد علي العروسي العلوم الشرعية، والقانونية واللغوية، وحفظت القرآن على يده, من بينها شيخ الزاوية البودشيشية سيدي حمزة البودشيشي، والمقاوم السيد قدور الورطاسي، وغيرهم من التلاميذ. مثل لوكوتي بن عبد الله صاحب كتاب ” تاريخ نني يزناسن، ورئيس الحركة الشعبية بعد الاستقلال، ولوكوتي السيد عمرو المعروف بالوطني (الذين اتموا دراستهم بعدها في القرويين)، وابناؤه الثلاثة ومنهم العروسي عبد الرحيم (والدي)، و عبد الكريم، العروسي وعبد الباقي العروسي – أجمل الرحمات عليهم اجمعين- والذين سينشؤون خلايا المقاومة بجانب الدكتور الخطيب -صديق العائلة- وشخصيات اخرى (سياتي ذكرها ) منها نساء مثل لالا شريفة (من العمات)، و المرأة المقاومة الحديدية، بتاء تأنيث لن يمحوها التاريخ ولو اسقطها الرجال الزهرة العنبرية (زوجة ابي ووالدتي الاولى) -توفاها الله برحمته-

….يتبع