مذكرات عائلة مقاومة حذفت تاء تأنيثها (الحلقة السابعة)

بقلم: زكية لعروسي

لم نتخذ في هذا الحكي من مذكرات “عائلة مقاومة حذفت تاء تأنيثها ” منهجا تاريخيا بحثا (ولم نزعم هذا)، لأن ليس لنا الشرعية العلمية ولا المنهجية التاريخية لفهم وسرد تاريخ المقاومة بالمنطقة الشرقية، حيث تكفل بهذا باحثون وانثروبولوجيون، ولكننا نعتمد منهج الرواية الشفاهية الحكواتية من طرف أفراد “عائلة مقاومة حذفت تاء تأنيثها” الذين كانوا من بين الاعضاء المهمين في لجنة المقاومة بالمنطقة الشرقية (ساهموا في تدوين ارشيفات متحف المقاومة بالمنطقة الشرقية ولا سيما عبد الرحيم وعبد الباقي العروسي وعائلة الوكوتي) في بناء سلوكيات الوطنية داخل هذه العائلة وإلقاء الضوء عن العلاقة القائمة في حاضرها الثوري اثناء الاستعمار، وتاريخ اجدادها الصوفي.

فتبدا رحلة العائلة ونشاط افرادها في خلايا المقاومة من صلب مدينة بركان ونواحيها، مدينة كان يتربع الفقيه السنوسي والجد القاضي السيد علي العروسي في مرحلة من مراحل الحماية منابر المسجد العتيق ببركان.

فكما أشرت في السلسلة الاولى أن عبد اللطيف الدرقاوي كان سببا لهذا التحفيز ولأعرف معنى المثل القائل : الجاهل هو الذي لا يعرف نفسه”، ونضيف واصله، وهذا يؤكده الجاحظ في قوله: “فاطلب العلم على تنزيل المراتب، وعلى ترتيب المقدمات، وليكن لتدبيرك نطاق، فإنه امان من الخطأ، والذي تعتقد رباط، فإنه لا بد من البنيان من قواعد….والذي لا بد للشريف من معرفته علم الاخبار ومعرفة علل النحو.”

فلهذه العناصر دور مهم في إشباع حاجاتنا وتحديد هويتنا الثقافية، واتجاهاتنا السياسية وطموحاتنا في بناء حياتنا الاجتماعية ونشاطاتها. فلا حاضر لنا ونحن نجهل ماضينا، ولا غد لنا من دون حاضر واع.

فلم يكن اطلاعنا على كتابَيْ الخال السيد الوكوتي بن عبد الله ” تاريخ بني يزناسن” و “ذكريات مقاوم” لا شافيا ولا ساقيا لعطشنا لما وجدته من شح من طرفه في التطرق إلى مقاومة افراد العائلة، الشيء الذي دفع بنا إلى نهج آخر اقل تعقيدا واقرب مشهدا واصدق قولا واوسع مخيالا للقارئ المثقف وغري بالمثقف. فما وجدنا إلى قبلة العم عبد الباقي المكنى بزين العابدين- رحمه الله- (1930-1924)- والذي كان يشغل منصب رئيس المجلس الإقليمي لقدماء المقاومين، وعن الوالدة المصونة “ما الطاووس” ابو خالد الوكوتي التي عرفت الاعتقال – لا زالت على قيد الحياة، و كذلك ما دوناه عن الوالد مولاي عبد الرحيم العروسي المكنى بابن الزين- أجمل الرحمات على روحه الطاهرة-

وقد كان التدوين حواريا بيني وبين العم السيد عبد الباقي العروسي. وقد جاء هذا التدوين في شهر سبتمبر من سنة 2023 (اشهر قبل رحيل العم إلى دار البقاء)، مما ادخل الفرح على الصديق عبد اللطيف الدرقاوي الذي كان يحثني ويلاحقني كلما تحدثت بان انقل الرواية مباشرة من لسان العم والوالدتين ولو عبر الهاتف.

يرن الهاتف يوم سبتمبر، لتجيب زوجة العم عبد الباقي “لالا نزيهة” وهي اشريفة عروسية – رحمها الله- من بنات عمومتهم وابنة المقاوم السيد الطاهر العروسي الذي سيعرف النفي بين 1952 و 1954.

انا:

“اهلا وسهلا.. كيف حالك وحال عمي سيدي عبد الباقي؟”

لالا نزيهة:

” شوي ابنتي.. صحتنا ولات كتقل وبالخصوص عمك.. راه مريض.. رجعنا نسلكو وصافي.. بقينا بوحدنا من بعد ما ولدنا حزمة ديال الولاد بحالي بحال امك خيرة ابنتي ”

انا

” إيوا هاذي سنة الحياة لالا نزيهة… بني آدم بحالو بحال الحيوان كل واحد مين يدير اولادو يحضن عليهم وكنساو الآخرين… المهم أن تبقى ليكم صحتكم وبصركم وحركتكم هاذو هما المهمين لالا نزيهة”

لالا نزيهة:

” عندك الحق ابنتي..الله يرضي عليك ويسترك”

انا:

” قولي لي واش نستطع نهدر (عند الوجادة نتكلم..جاية من الهدير) مع سيدي عبد الباقي..باغية نسولو على تاريخ المقاومة ديال العائلة ..الله يخليك لالا نزيهة”

لالا نزيهة

” هاهو نفوتولك… الو زكية بنتي كيف حالك وحال الأستاذ والاولاد؟..فرحت لهاذ المكالمة ديالك”

انا:

“اهلا سيدي عبد الباقي، سعيدة بسماع صوتك، وانك بخير وعلى خير..في حقيقة الأمر كنت باغية نطرح عليك بعض الأسئلة على المقاومة …ما بغيتش نمشي للارشيفات المكتوبة.. بغيت نعرفها منك كمقاوم وبطريقة بسيطة وملخصة.. حكيها لي بحال شي محاجية من فضلك.. ولا غادي نديروها على طريقة سؤال جواب..باش يفهمها اولادنا وكل واحد…والغادي يقولها للبادي.. إذن غادي نطرح عليك بعض الاسئله محددة وجاوبني الله يخليك سيدي عبد الباقي.. لان الوالد الله يرحمو كان يعاودلينا ولم نكن نهتم بهذا.. ومن بعدها جاني انا شخصيا الندم.. كنْقَدَّدْ اللَّحْمْ على العظَمْ اللي ما كنتش ندون”

العم عبد الباقي العروسي:

اهلا وسهلا…وانا سعيد بهذه المبادرة..لان حتى واحد ما بقى يهتم بهاذ التاريخ المجيد لأنهم ما ذاقوش عذاب الحرمان من الحرية والاحساس بارضهم يغتصبها شي واحد”

انا:

” قل لي سيدي عبد الباقي.. كيفاش جاتكوم الفكرة ديال المقاومة اول مرة؟”

العم عبد الباقي العروسي:

” إلى بغيت نتحدث على البدرة الأولى غادي يكون الحديث طويل جدا..لأننا كنا نستنشق روح الوطنية في البيت الاسري مع جدك القاضي السيد علي بن علي بن محمد بن احمد العروسي لًحَقَّاشْ كان متصوف وعارف بخطر الحماية الفرنسية بحكم تواجده بتلمسان التي كانت تحت الاستعمار التركي والفرنسي..”

لافهم بعد هذا ولو بغمغمات دور فأس الصوفية في زرع بذرة المقاومة وتحريك تربتها، وسقيها لتعطي أكلها من بعد.

انا

” ولكن سيدي عبد الباقي من بعد وفاة الجد وتمرير الفكر الوطني.. شكون اللي حرك الارض ديال البذرة باش ترجع بذرة الوطنية إلى شجرة مقاومة باغصانها وفروعها؟”

العم عبد الباقي العروسي:

” ما عاوداتش ليك امك الطاووس..كان أول مرة هو اجتماعنا نحن اولاد القاضي السيد علي العروسي والآخرون بعم امك الوكوتي السيد عمرو الوطني، والوكوتي بن عبد الله وسي أحمد الورطاسي.. فلتعلمي زكية أن المقاومة مرت بثلاث مراحل: الوطنية الفكرية والروحية، والمقاومة التي كانت بالمدن، ثم جيش التحرير بالعالم القروي”

انا:

” ومتى بالضبط بدات المقاومة على ارض الواقع سبدي عبد الباقي ؟”

العم عبد الباقي العروسي:

” في حقيقة الأمر من مكتب المغرب العربي بالقاهرة والذي كان يراسلنا هم اخوالك السيد الوكوتي عمرو الوطني والسيد الوكوتي بن عبد الله و صديق العائلة الدكتورر الخطيب، إذ تقررت المقاومة لتنطلق من الناظور وبعدها في المناطق الاخرى، فقد كان ولا بد من رد فعل جارف امام تهديدات اوغستان كييوم (Augustin (Guillaume بخلع محمد الخامس وتنصيب ابن عرفة مكانه.. لتنظم بالمغرب الشرقي (وكان سباقا لهذا) خلايا للمقاومة الفعلية وقد توج بمظاهرة احتجاجية عارمة ضد الاستعمار في 16 غشت من سنة 1953 بمدينة وجدة أسفرت عن سقوط عدد من القتلى؛ وأعقبتها في 17 غشت مظاهرة في مدينة بركان وتافوغالت وكانت سلمية تفاديا من البراكنة لمثل هذه الأحداث الدموية، وحتى لاينال الاستعمار من مقاوميها للاستمرار في مسيرة بدأت ولم تنتهي..

فتصوري ابنتي زكية أن مدينة بركان حينذاك كان يعمر بها 10 الف اروبي، في حين كان عدد البركانيين يقدر ب 15 الف. فكان علينا ما نلعبوش بالنار، وأن لا نترك المستعمر يطحن المقاومين ديالنا، الشيء الذي سيمثل خسارة فادحة للوطن والمقاومة. ولكن زكية بنتي كانت تخوفاتنا في محلها، فاصبحت مدينة بركان في حالة هيجان، وجات ليها الحشود من جميع الجهات بما في ذلك سكان مداغ، واتريفة، والسعيدية، وقبائل بني منكوش، وبني ريمش وابن عتيق، حاملين الشواقر والخناجير(حوالي 500 شخص)، وقد انطلقت جماهير فرع الركادة ( بنواحي بركان ) عبر “المنزل” قرب مسجد ” مولاي إدريس” أين كان يدرس الجد محمد ابن احمد العروسي، وأعطيت الأوامر بترك كل الأسلحة البيضاء تفاديا لأي حدث يلحق خسارة بشرية بافراد المقاومة، ودخل فرع حزب مداغ عبر السعيدية، وفرع حزب ابن عتيق وابن وريمش عن طريق ملوية. وقد استبقنا الأحداث بالتأكيد على سلمية الظاهرة، وتهييئ منزل المقاوم ” جلول الوكلاني لاستقبال الجرحى والموتى، وإرسال مجموعة من المواطنين لشراء السلاح من زايو الشمالية

واشنو نقول ليك ابنتي ولا نحكيلك، كان عرسا ملحميا للمقاومة إذ شارك فيها 40 الف حسب وكالة الانباء الدولية. كل هذه الاحزاب اجتمعت بحمى الوطن وملحمة ملك وشعب بمدينة بركان لتستقبلها امهاتنا ونساؤنا بالزغاريد والحنا المعجون بالماء لرشها على أبطال ثورة ملك وشعب… وليكن في علمك حتى شي كلب من الخونة ولا المستعمرين ما قدر يبين وجهو في ذاك النهار، بل وصلنا انهم اندسوا عند المعمر ” جالو” وبلعوا (اغلقوا) البيبان”

انا:

” عظيم كل هاذ الزخم ديال المعلومات؟ والتي خصها تدعو اي مواطن مغربي حر أن يحافظ على وحدة بلادنا وما يلعبش بالنار… شوف شحال تعذبو الشرفاء الاحرار من اجل وطنهم.. شيء يمكن يبان طبيعي للشباب اليوم… شكرااا سيدي عبد الباقي، ولن اتعبك اكثر… ساعاود الاتصال بك لمتعة تاريخية وحكواتية فيها من الفخر ما يجعلني أحيا سعيدة لسنوات عدة… هناك اسئلة أخرى نتمنى تجاوبني عليها من بعد وهي دور النساء في المقاومة لأنك لم تذكرهن لحد الآن”

العم عبد الباقي العروسي:

” هناك حكي كثير بنتي زكية.. وخصوصا فيما يخص العائلة والمعارف”

رنات كلمات وشعاع حكي فتَّقَ ظلام ذاكرتي وجهلي ،واتقدت به دواخلي وروح مغربيتي، ليسيل لعاب قلمي الاسود مدونا، وحاكيا بكل فخر قصة وطن وملك وشعب ومقاومة ومعها مذكرات ” عائلة مقاومة حذفت تاء تأنيثها” كما القطا وهو يلغط قطا قطا قطا….. قطا …..

 يتبع بإذن الله