بقلم: زكية لعروسي
ليس لنا اليقين أن الزوايا يمكن أن تكون منطلق النهضة الفكرية وصورة للثقافة بمفهومها الواسع الذي هي عليه في يومنا هذا، إلا اننا يمكن الجزم من تجربة “عائلة مقاومة حذفت تاء تأنيثها” ان الصوفية مؤسسة فكرية في تختير روح الوطنية. فهدفنا من خلال هذه المذكرات ليس التطرق إلى بعض الجوانب والقضايا النظرية والسياسية التي قد يثيرها موضوع الزوايا على المستوى الراهن الاجتماعي والسياسي!، بل التركيز على مرحلة المقاومة والطرق الصوفية باعتبار هذه الاخيرة من أهم المؤسسات الروحية التي حافظت على الشخصية الوطنية والهوية الحضارية لشعبنا المغربي الكبير والصغير على مر المراحل التاريخية، إذ اعتمدت السلطة على مؤسسة الزوايا والطرق الصوفية في رهاناتها (ولو كان شيئا غير معلن عنه) وفي تحقيق قدر من الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ولا سيما في المناطق التي يسود فيها الفكر الديني بالمقارنة مع مناطق اخرى. كان هذا التوضيح ضروريات لمن يمكن أن ينتقذنا، فهدفنا من” مذكرة عائلة مقاومة حذفت تاء تأنيثها” ليس البحث في الزوايا وتداعياتها ومسارها التطوري من عالم الزهد والورع إلى عالم السياسة ومن الانزواء إلى الانفتاح، ولكن الحكي عن مسار عائلة تحولت بذرتها الصوفية إلى شجرة مقاومة . بعد زواج الجد علي بالجدة ” لالا رقية” بنت قدور بنت الطيب البكاوي، أنجب منها أربعة ذكور وهم كالتوالي:
*عبدالكريم والذي يقول عنه الجد علي في مخطوط كتبه في سنة 1914م :” إزداد ابني المسمى عبد الكريم الذي كنيته ابو عبد الله ولقبه المحفوظ بالله في ليلة….”
*عبد الرحيم (والدي) ، والذي يقول عنه الجد علي:” إزداد ابني المسمى مولاي عبد الرحيم الذي كنيته ابن الزين ولقبه المكنون بالله…”
*عبد الباقي، والذي يقول عنه الجد علي :” ولد ابني الشريف الذي سميته عبد الباقي، ولقبه زين العابدين يوم….”
* محمد الزبير، والذي يقول عنه الجد علي”: إزداد ابني الذي سميته محمد الزبير يوم…”
أما فيما يخص الإناث فهن خمسة، وسنذكرهن حتى لا نرتكب نفس المعصية، ويتكرر معنا حذف تاء التأنيث مرة آخر كما فعل الأوائل في ” عائلة مقاومة حذفت تاء تأنيثها” سنذكرهن كالتالي:
*ربيعة والتي كتب عنها الجد علي وهو يقول :” إزدادت ابنتي أمة الله المسماة ربيعة العروسية يوم….”
*حنيفة والتي كتب عنها الجد علي وهو يقول :” إزدادت ابنتي، أمة الله السيدة حنيفة العروسية يوم…”
* ميمونة والتي كتب عنها الجد علي وهو يقول :” إزدادت ابنتي، أمة الله ميمونة العروسية يوم…”
أما بالنسبة لبناته الاخريات الميمونات، فكانت ولادتهن بالجزائر في فترة كان أستاذا “بزاوية بلفضل” بقرب العاصمة وب”زاوية الهامل” ببُوسْعادَة، (حسب ما يؤكده المخطوط الذي بحوزتنا، كان هذا منذ 1924 فترة الرحلة العلمية الثانية للجد بعد الرحلة الاولى التي كانت أواخر القرن 19 حين كان طالبا شابا), وهن:
* زليخة والتي كتب عنها الجد علي وهو يقول :” إزدادت ابنتي المسماة زليخة بعين الحوت….”
* النبوية والتي كتب عنها الجد علي وهو يقول :” إزدادت ابنتي أمة الله المسماة نبوية بعين الحوت قرب تلمسان…”
وحسب المخطوطات التي بحوزتنا، كانت عودة الجد علي العروسي إلى ديار بركان لممارسة القضاء والتدريس بعد 1928، وهي فترة حاسمة كان المغرب فيها تحت الحماية، وبين مخالب الاستعمار، وسيتمكن الجد السيد علي العروسي بث روح الوطنية وثقافة الجهاد من اجل الوحدة الترابية، وعفر الاجداد في أولاده الثلاث: عبد الكريم الملقب بابي عبد الله، ومولاي عبد الرحيم الملقب بابن الزين وعبد الباقي الملقب بزين العابدين، ومجموعة من طلبته كالقدور الورطاسي، والوكوتي بن عبد الله، وحمزة الودشيشي وابناء عمومته وإخوته، وآخرون لا يتسع لنا المجال لذكرهم هنا، ليصبح لكل هؤلاء دورا مهما، بل قياديا في مجابهة “جائحة الاستعمار”، وتنظيم خلايا المقاومة مع ابناء المنطقة الشرقية الاحرار، غير مستسلمين، ورافعين عنوان نشيد الوطنية مع إخوانهم من القاومين في جميع أنحاء الوطن خلاصته: ” الوطن لنا، واللغة لنا ونحن جند وراء ملكنا محمد الخامس طيب الله ثراه، شعرنا الوحيد هي ملحمة ملك وشعب وبه وحدتنا في ضباب وباء الاستعمار، فلا للاستسلام من اجل شمس التاريخ والحرية التي ستروي عنها الأمجاد وتسجلها الاوراق حبرا، وخطوات على ارض الشرق المغربي…أرض تستغيث من عطش الحرية..فسيسقيك الاحرار قبل السماء بدمائهم ودموعهم نبيد الحرية يا ارض بني يزناسن..ويا ملكا، فروح وطنيتنا من ملكنا ونهر ملوية ”
كان هذا شعار أبطالنا المقاومين من كل حذب وصوب من بركان إلى وجدة، كما استطعنا نقله على لسان مولاي عبد الرحيم العروسي، وعيناه كلهما فخر وهو يحكي عن هذه الفترة من تاريخ مقاومة ظلت تجري في عروقه -حتى رحل إلى دار البقاء- بذكرياتها، وتاريخها، ولحظاتها وامجادها، وهو ينشدها لاولاده ملحمة شعر ويحكيها كقصة الف ليلة وليلة “صباح مساء”، دون أن تغير منه السنين ولو سنتمترا من هذا البريق، ولا ان تحد نفسة.
الغريب أننا لم نفهم هذا الإصرار من طرفه، ولا فك شفرة حكيه عن المقاومة الذي كنا نعتبره اجترارا، و كما يقول الوجادة “دخول وخروج في الهدرة”مرحلة طيش فقدنا فيها الكثير من الرواية الشفاهية التي تمثل ثروة فكرية وتاريخية لا تقدر بثمن….
فنم أيها الوطني صاحب الكفاف والعفاف بسلام لأنك كَفَّفْتَ جوانبنا الروحية واكمام عقولنا وجيوب ذاكرتنا بوطنية حريرية دون أن نشعر… وطنية كانت هي فكرتك الوجودية، فلِلْجدِّ القاضي السيد علي العروسي العلمي، ولاجدادك محمد وأحمد العروسي العلمي، وجدك مولاي عبد السلام بن مشيش، ووالده مولاي سليمان المشيش ولجدك الأكبر مولاي إدريس الأول، وأخويه محمد الملقب بالنفس الزكية، وإبراهيم، ووالدهم محمد بن عبد الله الكامل أن يفخروا بك كل الفخر… فلقد حكيت فابلغت، واوصلت وكما يقول شاعرنا ابو العلاء المعري:
إِلَــيْــكَ تَــنَــاهَـى كُـلُّ فَـخْـرٍ وَسُـودَدِ
فَـــأَبْـــلِ اللَّـــيَــالِــي وَالْأَنَــامَ وَجَــدِّدِ
لِــجَــدِّكَ كَــانَ الْــمَـجْـدُ ثُـمَّ حَـوَيْـتَـهُ
وَلِابْـنِـكَ يُـبْـنَـى مِـنْـهُ أَشْـرَفُ مَـقْـعَـدِ
ثَـــلَاثَـــةُ أَيَّـــامٍ هِــيَ الــدَّهْــرُ كُــلُّــهُ
وَمَـا هُـنَّ غَـيْـرُ الْأَمْـسِ وَالْـيَوْمِ وَالْغَدِ
ففكر المقاومة حاضر، وسنواصل رسالة الاجداد وثقافة الوطنية مع الابناء….
يتبع