بقلم: زكية لعروسي
في اليوم الموالي من تواصلي مع العم المصون سيدي عبد الباقي – وافاه الله برحمته وغفرانه- عاودت الاتصال به لان اسئلة، واستفسارات عديدة بقيت عالقة بالذهن، فبعد التحية وادبيات الحوار معه سألته:
“هل لك ان نكمل الحكي عن المقاومة سيدي عبد الباقي؟”
العم عبد الباقي العروسي:
” نعم ابنتي بكل فرح..واشنو بغيتي تعرفي آخر؟”
انا:
” سؤالي الاول يتعلق باعتقالات العائلة…فهلا حدثتني عن هذا ولو باختصار من فضلك..اعرف انني كنتعبك ولكن هذا واجبي اتجاه ابي واجدادي وابناء منطقتي..اقل شيء هي فهم مسيرتهم وذاك الشي قاموا به ونجزوه”
العم عبد الباقي العروسي:
” أبناء السيد علي العروسي وأولاد عمومتهم كانوا في خلية الركادة. ابنتي.. اول مرة اجتمعنا نحن لعرايسة بعائلتنا الكبيرة والدك وسيدك عبد الكريم وانا وسيدك الطاهر وسيدك عبد العالي ومحمد “كراندولة” (هذا الإسم من عهد لاندوشين) مع الوكوتيين انذاك في منزل السيد عمرو الوطني الوكوتي لتكوين خلية الركادة وتنظيم المقاومة بزعامة السيد بن عبد الله الوكوتي اخو امك الطاووس باعتباره كان أكثر ثقافة..المقاومة ابنتي كاين ناس الميدان والمراقبة وناس التخطيط والتدبير والتدوين.. واحد يكمل الآخر، ومن هنا فقد تحولت المقاومة ما بعد 16 و17غشت 1953 إلى مقاومة مسلحة من اجل تصفية عدد من الخونة والعملاء اولا لتتجه ثانيا نحو ضرب أهداف الفرنسيين من ثكنات عسكرية، ومزارع ومصالح، ليتأسس رسميا مجلس التحرير الوطني في 1955, ولكن قبل هذا ابنتي زكية فقد قمنا بتصفية بعض العناصر العميلة والفرنسيين مبكرا في 1951, إذ تمت عملية اغتيال احد الخونة بتافوغالت نفذها محمد رحال، وتم قتل احد المخبرين بناحية الركادة قام بتنفيذها محمد لزعر ، ليحكم عليهما ب 20 سنة سجنا مع الأعمال الشاقة”
انا:
ومين كنتو تجيبو السلاح،؟ واشمن سلاح كنتو كتستعملو ؟..واش المسدسات بحال اللي كان ابي ديال المقاومة ولا قطع اخرى؟ وحاكني عما جرى لأفراد العائلة؟
العم عبد الباقي العروسي:
“بعدما تأكد عزم فرنسا على خلع ملكنا المغفور له محمد الخامس وتنصيب ابن عرفة مكانه، فإن قبائل بني يزناسن كانت أول من ثار، فبدانا في تنفيذ عمليات فدائية من بعد ما توصلنا باسلحة من الناضور منها ” قتابل”، فسلمنا منها 46 قطعة للجزائر تحت شعار مقاومة المغرب العربي بحضور خالك الوكوتي بن عبد الله، وعبد ربه عبد الباقي العروسي، والعروسي الطاهر، ومحمد كراندلة العروسي (كراندولة لقب لانه شارك في حرب لاندوشن)، وعبد الوهاب الساحلي، والحسين القادري (للتذكير موضوعنا ليس المقاومين الآخرين لأننا لا مشروعية لنا ، بل رواية عائلية من طرف مقاومي العائلة).
فبعد مظاهرة 17 غشت مثلت المنطقة الشمالية المحتلة من طرف الإسبان لكل المقاومين الذين خافوا بطش الاحتلال الفرنسي، لما أعقب هذه الثورة من اعتقالات في اطر القيادات، وفي هاذ الوقت هاجر كل الناجين إلى الشمال قبل ما يقبض عليهم المستعمر، فلم يذهبو هناك للخلود للراحة والنفذ بجلودهم ، بل لأن مكوثهم ببركان ووجدة كان خطرا عليهم، كان ابنتي بحال شي لجوء سياسي وخاصة أن إسبانيا لم تنس عدم إشراك فرنسا لها في قرار نفي ملكنا المغفور له محمد الخامس، فكان المقاومون كيتحركوا بأريحية وبسهولة للحصول على اسلحة كانوا يبعثوا بها لإخوانهم ببركان لتنفيد عمليات فدائية”
انا:
“واش هنا سيدي عبد الباقي اللي نفد ابي عمليته ضد الشبكة العسكرية ليهاجر من بعدها للناضور؟”
*العم عبد الباقي العروسي:
“قبل ما نجاوب ابنتي زكية، خاصكي تعرفي ان كل اعمامك وابناء عمومتك، وبعض القريبين منهم كانوا يوميا يقوموا بالمراقبة ديال واحد الطريق كانت تسمى “لمريرة” وهي طريق طويلة وضيقة بزاف كانت تفوت بها الإنتاجات الفلاحية،و كانت تسع للمرور غي شخص واحد مع الدابة ديالو، وكان يسلكها كل المبحوثين عنهم من طرف الشرطة الفرنسية!، واللي كانت كتطالب بهم العدالة الفرنسية من بعد ما حكمت عليهم محكمة الاستعمار بالسجن أو الإعدام بحال الوالد ديالك خويا عبد الرحيم والوزاني عبد الله اللي تحكم عليهم بالإعدام -رحمهما الله برحمته الواسعة- فكانوا يندسوا وسط الحقول لتعقيد الطريق على عساكر الإحتلال باش ما يقدرو يتبعوا خطواتهم. وبالإضافة لهاذ الشي كانوا مين يبغيو يقطعوا “لمريرة” كانوا يلبسوا بحال الفلاحة ولا الشوالة باش يختصروا الطريق من احفير إلى بركان والناضور باش يشريو السلاح ويفرجو على المقاومين”
واضحة فيه نشوة كبيرة وكان العم السيد عبد الباقي كان يعيش تلك اللحظات بكل فخر واعتزاز يضيف:
” ، العسكر ديالهم ابنتي ما كانتش عندهم قوة الملاحظة بحال العسكر ديالنا… احنا قويين عليهم في هاذ المجال لحد الآن.. تصوري كانوا يمروا على المقاومين من عمومك وأولاد عمك اللي لابسين كي الفلاحة والشوالة و يلقون التحية على اعمامي و يطلبوا جرعات من الماء و يسألونه: هلمن أحد مر قبلنا بهذه الطريق”
” عظيم سيدي عبد الباقي..وبالنسبة للسلاح..كيف كانوا يشريوه؟”
العم السيد عبد الباقي العروسي:
“كانت اغلبية الاسلحة أبنتي كيشريوه من مليلية ومن العسكر الإسبان لاحقاش كانوا يسرقوه بالثكنات ومخازن الاسلحة، اسلحة قليلة لتنفيذ بعض العمليات الصغيرة ولكن كانت تبث الرعب في المستعمر الفرنسي وفي ” البياعة والخبارجية” اكثر، وهنا اللي ندارت القنبلة على سكن الجيش الفرنسي بتافوغالت تجرح فيها المأمون التدلاوي، وبرياح، واحمد العرابي، ومات رحمهما الله وهابي عبد الرحمان، سعيد بن صالح، أما والدك مولاي عبد الرحيم العروسي فقد هاجر إلى الناضور التي كانت تحسب على إسبانيا آنذاك، وعاد لتنفيد عملية فدائية خلفت عدة جرحى، وقتل بالقنبلة زوج ديال العساكر الفرنسيين، ليعود من جديد “حسي مسي” للناضور على رجليه، دون أن يقبض عليه، إذ كان سريع التحركات بين الاشجار وكانوا يلقبونه ب”الفلاق”، فتحكم عليه بالإعدام غيابيا من طرف المحكمة الاستعمارية باعتباره إرهابيا”
موقف لم اجد للتعبير عنه كلمات تطفأ غضبي، فهذا ما ينطبق عليه المثل ” جا ياكل الفريك وارجع اشريك” الجدير بالملاحظات أننا لم نستعمل عبارة ” هرب للناضور” ، ولن نستعملها ما دمت حية ارزق لسببين
السبب الاول: لان “ماشي الدار دار بونا وأولاد الكلاب يطردونا” و”ضربنا وبكا واسبقنا وشكا..الارض ارضنا والعفر عفرنا والملك كان ملكنا والوطن وطننا..”
السبب الثاني:
لم أعد أستعمل عبارة “هرب والدي إلى الناضور”، وعن أي مقاوم حرٍّ ابِيٍّ منذ طلبها مني الصديق عبد اللطيف الدرقاوي -رحمه الله-، إذ وانا احكي معه عن مسيرة الوالد مولاي عبد الرحيم العروسي المقاوم الصنديد.. رايته يقفز خلف الهاتف وهو يعاتبني بسخرية جارحة” لن أحدثك، لأنك لست اهلا لكنية العروسي.. فكيف تقولين عن سيدي عبد الرحيم انه هرب، وهو في عقر داره وزاويته ووطنه.. هاذي المرة الاخيرة التي اسمع منك استعمال هذه العبارة “هرب”.. يا للعار لجيل يجهل معنى الوطنية والمقاومة”
بعد هذه العملية التي قام بها الوالد مولاي عبد الرحيم بدأت حملة الاعتقالات في “عائلة مقاومة حذفت تاء تانيثها”، فقد نفي العم الطاهر العروسي بسجن العادر لمدة عامين بعد استنطاقه وتعذيبه بوحشية لمعرفة مكان الوالد المصون مولاي عبد الرحيم،
ونفي العم الأكبر عبد الكريم العروسي لمدة سنتين بسجن “عين مومن” بالجديدة راجلا من بركان حتى السجن الفلاحي.
وكان قد نفي قبل هذا الخال الوكوتي عمرو المعروف بالوطني لمدة خمس سنوات بأغبالو الكلوس بعد ان عرف الاعتقال في سنة 1937, و1944. ووالد الام الطاووس الوكوتي ابو خالد الوكوتي محمد بن الحسين إلى الطاووس واعتقل العم عبد الباقي العروسي بسجن بركان، ليلحقون به عبد العالي العروسي (ولد العمة)، لتعم هذه الاعتقالات نساء “عائلة مقاومة حذفت تاء تأنيثها”…وهذا هو الهدف من هذه السلسلة اين محل نسائنا الصنديدات وتاء التأنيث من الجملة الإسمية عائلة مقاومة!؟ جملة تتكون من إسمين مؤنثين تم السطو عليهما بالنسيان وتحويل المقاومةإلى إ إدغام وتحويل العبارة إلى ” رجل مقاوم” بمحو وحذف تاء تأنيث الإسمين من سطور الحكاية والرواية الشفاهية والكتابية
…يتبع