تتضافر عوامل جذب كثيرة لبلورة مستقبل واعد للعلاقات بين المغرب وسويسرا، كبلدين يتقاسمان رؤية سياسية عميقة لإرساء قيم السلام والحوار كقواعد سلوك في العلاقات الدولية، ومقاربة اقتصادية تقوم على التنمية المستدامة وتشجيع الابتكار.
في الأدبيات الرسمية للهيئات الفدرالية السويسرية، يكتسي المغرب مكانة خاصة كمخاطب محوري في شمال افريقيا، وفاعل مؤثر في القارة الافريقية وقطب ديناميكي منفتح على حركة الاستثمارات والمبادلات الاقتصادية. وفي المقابل تتموقع سويسرا كنموذج متميز وملهم في تطوير أنظمة نمو مبتكرة والرهان على قطاعات اقتصادية عالية المردودية، وخصوصا الاستثمار في مستقبل أخضر يرفع شعار الاستدامة.
“حافظ البلدان على علاقات ثنائية جيدة للغاية. وقد عمقا شراكاتهما، سواء من حيث التجارة أو التنمية المستدامة أو البحث العلمي”. كان هذا المقطع من بلاغ المجلس الفدرالي السويسري (الحكومة) حول زيارة المستشار الفدرالي وزير الخارجية إغناسيو كاسيس للمغرب يومي 22 و23 يونيو الماضي مضيئا للآفاق التي تعد بها علاقات شريكين يتمتعان بالجدية والمصداقية في محيطهما الإقليمي والدولي.
لقد سجل وزيرا الخارجية في البلدين أنه بعد ثمانية عشر شهر ا من توقيع الإعلان المشترك، تم بالفعل تعزيز وتنويع العلاقات الثنائية وبات البلدان يجنيان “فوائد ملموسة من جهودنا المشتركة”.
ففي مجال الاستدامة، تم إبرام اتفاقية تعاون مناخي في نونبر 2022 تنطوي على تحفيز الاستثمار السويسري في المغرب والتعاون في مشاريع التنمية المستدامة. وفي المجال العلمي، مكنت مذكرة التفاهم المبرمة في العام ذاته من الدعم المشترك لحوالي عشرة مشاريع بحثية أكاديمية بين المؤسسات السويسرية والمغربية.
المؤشرات مهمة لكن الرهان أبعد. المغرب هو ثاني أكبر شريك تجاري لسويسرا في شمال إفريقيا وثالث أكبر سوق لصادراتها في القارة الأفريقية. في عام 2022، تواصل ارتفاع حجم التبادل التجاري ليقترب من 900 مليون دولار. وتتمركز أكثر من 60 شركة سويسرية في المغرب، حيث توفر ما يقرب من 8000 فرصة عمل في قطاعات متطورة مثل الصناعات الغذائية والصناعات الكيماوية والصيدلانية، فضلا عن الأجهزة والمعدات الدقيقة.
ولا يحجب زخم المبادلات الاقتصادية ثقل الملف السياسي والأمني. في الهجرة، يرتقب إنشاء لجنة دائمة مختلطة، ستوفر فرص ا للتبادل والتعاون حول هذا الموضوع البالغ الأهمية على محور العلاقات شمال-جنوب. وثمة تماثل معبر عنه لوجهات النظر تجاه قضايا عديدة في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بالعملية السياسية في ليبيا، والتحديات القائمة في منطقة الساحل.
أما بالنسبة لمسألة الوحدة الترابية للمملكة، فقد جددت سويسرا بمناسبة زيارة وزير خارجيتها للرباط، التأكيد على أهمية جهود المغرب الجادة وذات المصداقية، الرامية إلى إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء المغربية على أساس التوافق، مشيدة “بشكل إيجابي” بمخطط الحكم الذاتي في عملية تسوية هذه القضية.
تحافظ سويسرا على وضعها كدولة محايدة لكنها تعتمد بشكل متزايد مقاربة أكثر انفتاحا لدور نشط في الساحة الدبلوماسية الدولية. تجسيد ذلك كان يوم 3 يناير الماضي، حين رفع العلم السويسري كدولة منضمة إلى مجلس الأمن كعضو غير دائم لمدة عامين. وتولت سويسرا الرئاسة الدورية للمجلس في ماي 2023، في أفق توليها مجددا في أكتوبر 2024. إنه موقع سياسي في قلب المحفل الأممي يمنح العاصمة بيرن هامش حركة وتأثير أكبر في الملفات الدولية، ويضفي بالتالي على العلاقة بين المغرب وسويسرا رهانات أكثر طموحا.
في عام 2021، تم الاحتفال بالذكرى المئوية للوجود الدبلوماسي السويسري في المغرب، من خلال افتتاح أول تمثيلية عام 1921 في الدار البيضاء. قرن من التبادل خبر البلدان خلاله ميزات مقارنة مؤهلة لتصنع نسيجا خلاقا من العمل المشترك والتكامل المثمر لبلدين يحترمان التقاليد ويؤمنان بالمستقبل.
والواقع أن الطابع النوعي للمبادلات البشرية بين البلدين من شأنه أن يضفي على هذه العلاقات عمقا حضاريا وثقافيا وإنسانيا رفيعا. فالكفاءات المغربية المقيمة بسويسرا تشكل نموذجا للموارد البشرية العالية التكوين، والمتفوقة في مختلف مجالات الإبداع التقني والعلمي. ومن موقع الأطر القيادية في المؤسسات الدولية المتمركزة بها، أو الهيئات العمومية والخاصة السويسرية، تشكل هذه الكفاءات قاطرة يعول عليها لبناء جسور ناقلة للخبرات والمعارف والقيم الثقافية النبيلة التي ترسخ التلاقح والحوار كعناوين للهوية المغربية في زمن الانكفاء والتوجس.