
بقلم: زكية لعروسي

في ظرف أسبوع، تلقت الجزائر صفعتين دبلوماسيتين من الوزن الثقيل، الأولى من فرنسا والثانية من إسبانيا، وهما دولتان لا تنطقان عن الهوى حين يتعلق الأمر بالصحراء المغربية. فرنسا أكدت مجددًا اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه، كأنها تقول: “كفى لعبا بالرمال!”. أما إسبانيا، فهاجمت من يختبئ وراء “المبادئ” لتأبيد الجمود، قائلة بما يشبه النفاذ من الصبر: “استفيقوا… لا أحد يشتري هذه الأسطوانة بعد اليوم!” فكم من الصفعات تحتاجها الجزائر كي تصحو من وهمها؟
قال أجدادنا: “اللي يربي الأفعى، يجي نهار وتقرصو”. والجزائر التي رعت مشروع الانفصال طيلة عقود، وموّلت الوهم تحت غطاء “الشرعية الدولية”، تجد نفسها اليوم محاصَرة باعترافات دولية متوالية تقوّي وحدة المغرب الترابية وتعرّي هشاشة خطابها السياسي.
لا يزال النظام الجزائري ينفخ في رماد ملف احترقت صفحاته في المحافل الدولية، وكأن تكرار الكذبة سيجعلها حقيقة. أو كأن ارتداء عباءة “نصير الشعوب” سيخفي جراح شعب لا يجد حتى قوته ولا منبرا لقول وجعه.
أجدادنا، الذين لم يقرأوا القانون الدولي، لكنهم شمّوا روائح الحماقة عن بعد، قالوا: “اللي يْربّي الحلم الكاذب، يَصْحى يوما يتكلّم مع الحيط.”
لما العالم يفتتح قنصليات في الداخلة والعيون، ويصفق للمبادرة المغربية، نجد إعلام الجارة الشرقية يصوغ بيانات بلاغية تقول كل شيء… ما عدا الحقيقة. الجزائر تتظاهر بالشرعية، لكنها ترعى كيانًا وهميًا لا يملك لا سيادة، ولا مواطنين، ولا مؤسسة… بل مجرد قبعات عسكرية تهشّ وتسود على الرمال في إعلام من أوراق الوهم
فبالله عليك قارئي العزيز، من يحتاج الصفعات؟ أنا التي أكتب، أم نظام تتساقط عليه الحقائق كالمطر، لكنه لا يبلُّ رأسه حتى بالحكمة؟ دولة تحب أن ترى نفسها ضحية… حتى ولو كان الجاني هو مرآتها
نعم، يبدو أننا في مسرحية من خيال مريض: الجيش يعزف… والشعب يرقص! في بلد تطالب جنرالاته بالسيادة في تندوف، ويخشون حتى الحديث عنها في تيزي وزو، تصبح كلمة “الوطن” ورقة مفاوضات، و”الوحدة الوطنية” بندا ظرفيا على حسب الضيف الحاضر.
أمي خيرة، سيدة الأمثال، كانت تقول لي: “ماشي كل اللي يلبس بزّة القائد راه قائد بحال والدك… بعض البزّات للتنكر فقط.” نظام يرفع شعارات الحرية، لكنه يسجن قصيدة. يتغنى بالديمقراطية، لكنه يخنقها عند أول منشور. يدعو لتقرير المصير، لكنه لا يجرؤ أن يسمح لأمازيغيه بتقرير أبسط حقوقهم. يا أمي خيرة، كم كنتِ حكيمة حين قلتِ: “اللي يفتش على الحرية لبعيد، ما شاف القيود اللي في رجليه.” إن حكمة البناء لا تتقنها الأنظمة العاقة للتاريخ، فالعالم تغيّر. ولم يعد يشتري حكايات الاستعمار ولا شعارات التحرير من الورق. هذا زمن من يبني المطارات، لا من ينشئ معسكرات الرمال. من يزرع جامعات، لا من يحشو الخطابات بمصطلحات فارغة.
والجزائر، التي باعت التاريخ في مزادات الأمم، لم تفهم أن من لا يحترم الحاضر، لا يستحق المستقبل. المغرب يا قارئي، يا من تفكك الغاز الكلمات والحروف لا يصرخ، بل يبني، بينما الجزائر تعدّ بياناتها الغاضبة، المغرب يطبع خرائطه الجديدة على مكاتب العالم: قنصليات تفتح، مشاريع تنطلق، استثمارات تترسخ، ودبلوماسية تمضي بثقة وهدوء.
لقد فهم المغرب درس الأجداد: “اللي عندو الحق، ما يدورش بيه، يبني عليه.” فبنى… وتقدّم، وترك الجارة تحترق في نيران خطابها الخشبي، لا ينقذها صراخ، ولا تنقذها تغريدة. وكما يقول مثلنا المغاربي البليغ: “اللي دارو مبني بالزجاج… ما يرميش الناس بالطوب.”
ختامًا: الجزائر اليوم لا تريد أن تصحو لا من الهزات، ولا من الصفعات، ولا حتى من جوع الشعوب. نظامها عنيد، يعشق العناد أكثر مما يعشق الوطن. من لا توقظه الحقيقة، توقظه رافعة التاريخ، ورياح التغيير لا تسأل قبل أن تهبّ، وحين تصل، لا تُبقي زلا تذر لمن لا يفهمها سوى التاريخ… والتاريخ لا يرحم من خان حكمته. فإلى حين أن تصحو الجارة من نومها الطويل، نترك لها صفعة ثالثة: الحقيقة… وإن تأخرت.






