
بقلم: عبد الدين حمروش

في كلمة له، بمناسبة نشاط سابق للبوليساريو، رفع الجنرال السعيد شنقريحة المغرب إلى مرتبة العدو. اليوم، في ظل العزلة التي تعيشها الجزائر إقليميا ودوليا، وفي ظل المخاطر الأمنية التي تحيط بها من الجنوب (دول الساحل)، والشرق (ليبيا المنقسمة)، إضافة إلى عدم الاستقرار الذي تعيشه تونس قيس سعيد، يبدو أن الاستقرار الوحيد والمضمون الذي بات ينعم به الجار الشرقي هو الآتي من جاره الغربي. غير أن هذا الاستقرار يريد أن يعبث به حكام المرادية، عبر تحريض الجبهة الانفصالية على الدخول في مناوشات مع القوات المسلحة الملكية، خلال السنتين الاخيرتين. إنه الانتحار الجزائري الشامل، في غياب تام لاستراتيجية واقعية تتوقى المخاطر الأمنية، وبالتالي توفر مصادر الهدوء والاستقرار.
لقد كان من عقيدة الجزائر، منذ حصولها على الاستقلال، عدم تفويت أي فرصة لحصار المغرب، بإغلاق الحدود في وجهه من الشرق، وافتعال “قضية الصحراء”، بدعم الجبهة الانفصالية، سياسيا وعسكريا ولوجستيا، لمحاولة حصاره من الجنوب. ها هنا، ينسى النظام الجزائري أن إشعال الجنوب المغربي في صحرائه، وهو المنطقة الآمنة الوحيدة على حدوده، يعني العصف بالأمن الوطني الجزائري نفسه. في هذه الحالة، يكون النظام شبيها بمن يطلق النار على رجليه.
أراد أن يحاصر المغرب، فحصل أن حاصر نفسه. إن درس دول الساحل، التي تدخل في خصومة متصاعدة مع قصر المرادية، يمكن الاستفادة منه في سياق ما يجري حاليا بالمنطقة. هي مفارقة عجيبة: في الوقت الذي يسعى المغرب إلى فتح الحدود، عبر ما سمي في حينه “المبادرة الأطلسية”، التي يمكن أن تكون الجزائر طرفا فاعلا فيها، ظلت الأخيرة تسعى إلى تبني كل مبادرة لإغلاق الحدود. لم يبق أمام حكام الجزائر إلا قيس سعيد، يروحون إليه ويعودون، عبر مبعوث الخارجية أحمد عطاف. موريتانيا الذكية، وبإدراكها وجود حسابات إقليمية ودولية معقدة، وانتهائها إلى حقيقة أنها تربح مع المغرب أكثر مما تربح مع الجزائر، أخذت تنأى بنفسها عن التنسيق المغاربي المصطنع، الذي أريد له أن يكون ناقصا بدون المغرب. ومع تأكيد الإدارة الأمريكية الجديدة الموقف من مغربية الصحراء، وفي سياق تناقل أخبار عن إمكانية إدراج البوليساريو تحت طائلة تهمة الإرهاب، يمكن أن تتعقد الوضعية أكثر في الجزائر، تحت تأثير هذا المستجد المفترض.
في ظل “هكذا” وضعية دولية صعبة، اقتصاديا وتجاريا وعسكريا، لا مفر للحكام الوطنيين العقلاء من قراءة الخريطة الاستراتيجية، بموازينها وتحالفاتها بشكل جيد، خدمة لمصالح شعوبهم. والمنطق السليم في إثر هذا، هو أنه حتى لو كان لحكام الجزائر موقف من مغربية الصحراء، فإن المصلحة الإقليمية تستوجب التعاون والتنسيق. يكفي أن الصحراء بين أيدي المنتظم الدولي ومؤسساته. هذا أضعف الإيمان، الذي يمكن أن يقابل به الجار الشرقي جاره الغربي، نظير ما أسداه إليه الأخير إبان سنوات الثورة. المغرب المستقر والقوي في صالح جزائر قوية ومستقرة. وأما بقراءة الحسابات الاقتصادية والتجارية، وبوجود كتلة مغاربية صلبة، في مقابل كتلة أخرى أوروبية، فسترسم معالم تعاون إقليمي- مغاربي، وتعاون شمالي- جنوبي، واعد بالتنمية والأمن والاستقرار.
ولكن المشكل: راه ما كاينش مع من!






