
بقلم: زكية لعروسي

في قاعة يلفّها ضباب التاريخ، حيث تصنع المصائر بقرارات لا تنفّذ، اجتمع ثلاثي القدر: فلاديمير بوتين، القيصر الذي يخطّط للأبدية على رقعة الجغرافيا، إيمانويل ماكرون، الدبلوماسي الذي يحلم بأن يكون نابليون العصر، وفولوديمير زيلينسكي، الممثل الذي وجد نفسه بطلا في مأساة لم يكتبها بنفسه.
جلس بوتين كإله يوناني يتأمل عالمه، بصره نافذ، وكلماته مدروسة كحركات بيدق في لعبة شطرنج لا تنتهي. قال بصوت خافت لكنه مشحون بالقوة: “نحن لا نرفض السلام، لكن بشروطنا، بالطبع.”
كلماته كانت كالرعد، تُلقي بظلال من الشك فوق الطاولة، حيث الجالسين أمامه يدركون أن اللعبة لم تنته بعد.
إلى جانبه، كان ماكرون يحاول أن يقدّم نفسه كحكيم السفن الضائعة في بحر العواصف السياسية. نظر إلى بوتين وزيلينسكي، مدّ يديه كما لو كان يضبط الميزان المائل للأحداث.
“يجب أن نجد طريقا للسلام!” قال بنبرة رجل يؤمن بالحلول، لكنه يعلم أن كلماته ليست سوى صدى يتردد في الفراغ. ما يريده حقا هو أن يظهر على الشاشات الفرنسية كوسيط عظيم، حتى لو كان يعلم أن مقترحاته ستنتهي في أرشيف النسيان الروسي.
أما زيلينسكي، فقد جلس كرجل يرى الأشباح تحيط به. لم يعد ذلك الكوميدي الذي يطلق النكات، بل أصبح ممثلا في دراما من نار وحديد، يتلقى الإشارات من العواصم البعيدة كما يتلقى الكهنة الوحي.
“التاريخ لا يرحم من يكرر أخطاءه…” قال بحكمة مستعارة، متناسيا أن التاريخ نفسه لا يرحم من يراهن على وعود مؤقتة.
وفجأة، اهتزت الطاولة، ليس بقذيفة مدفع، بل بخطوات رجل لا يعترف بالقواعد: دونالد ترامب. دخل القاعة كإعصار، مرتديا بدلته الداكنة وربطة عنقه الطويلة بلا سبب، صافح بوتين بيد ثقيلة، ثم جلس وقال بابتسامة واثقة:
“يا رفاق، أنا هنا، فلنبدأ العرض!”
بوتين رفع حاجبه قليلا، ثم اكتفى بابتسامة غامضة. ماكرون رتّب أوراقه بعصبية، بينما زيلينسكي نظر حوله وكأنه ينتظر تعليمات فورية. ترامب لم ينتظر طويلا، نظر مباشرة إلى زيلينسكي وقال بصراحته المعتادة “أنا أعطيتك أسلحة بمليارات الدولارات، والآن تريد المزيد؟ هذا جنون! كان عليك عقد صفقة مع بوتين بدلا من الاستمرار في هذه الحرب الغبية!”
زيلينسكي، الذي لم يكن مستعدا لمثل هذه المواجهة، ابتلع ريقه ونظر إلى ماكرون وكأنه ينتظر النجدة. ماكرون حاول أن يعيد المحادثة إلى مسارها الدبلوماسي: “علينا إيجاد حل يرضي الجميع…”
لكن ترامب ضحك بصوت عال، قاطعا كلامه: “إيمانويل، كفى هراء! أوروبا لا تستطيع فعل شيء بدون أمريكا، وبصراحة، لو كنت مكان بوتين، لما أخذتك على محمل الجد أصلا!”
بوتين وقف، نظر إلى الجميع نظرة رجل يعرف أن الصبر هو أعظم أسلحته، وقال بصوت هادئ لكنه يحمل نذر العواصف: “سنتحدث… ولكن بشروطنا.”
زيلينسكي نظر إلى الأرض، كمن يسمع همسات غير مرئية. ماكرون حاول أن يحتفظ برباطة جأشه، لكن الارتباك في عينيه فضحه. أما ترامب، فقد نهض، مدّ يديه إلى جيوبه وقال بنبرة لا تخلو من الاستهزاء:
“هذه أطول جلسة مملة حضرتها في حياتي، اتصلوا بي عندما تكونون مستعدين لعقد صفقة حقيقية!” ثم استدار وغادر، تاركا الطاولة في فوضى مطلقة.
ابتسم بوتين لأول مرة، كأنه أدرك أن هناك من يستطيع إحداث فوضى أكبر من الحرب نفسها.
أما المسرحية؟ لم تنته بعد. الحرب مستمرة، والمشهد الأخير لم يكتب بعد. لكن الجميع يعلم أن هناك رجلا يجلس في مكان ما، بين ملاعب الجولف وشبكة X، ينتظر اللحظة المناسبة ليقلب الطاولة مجددا.


