رشيدة داتي: شجرة مغربية أصلها ثابت وفرعها يحلق في سماء فرنسا… لن تنحني أمام رياح التقزيم العقيم البائس للجزائرية مليكة صورال

بقلم: زكية لعروسي

في خضم الجدل القائم حول الوزيرة الفرنسية رشيدة داتي، وما أثير حولها من انتقادات هابطة لا تليق بمستوى النقاش السياسي، لا يسعنا إلا أن نستنكر الحملة المغرضة التي شنتها عليها مليكة صورال، التي يبدو أنها تناست أصولها الجزائرية وانبرت لتشويه ابنة المغرب الصنديدة، وكأنها تخوض معركة شخصية لا شأن لها بالثقافة أو السياسة.

رشيدة داتي: الشجرة الراسخة التي لا تهزها الرياح، واللبؤة التي لا تخشى الذئاب السياسية

في خضم هذه الزوبعة التي أثارتها مليكة صورال، لم اجد أمامي سوى أن أقف وقفة المرأة المثقفة المعتزة باصولها والمحبة لفرنسا لأرد على هذه المهزلة التي استهدفت إحدى أكثر الشخصيات السياسية قوة وصلابة

من المثير للشفقة سيدتي النائبة أن يتم استهداف امرأة سياسية وصلت بجهدها وجديتها وكفاءتها إلى قمة هرم السلطة، وكأن البعض لا يحتمل رؤية امرأة قوية تتألق في المشهد السياسي الفرنسي. “ولا اللي ما يوصل للعنب يقول حامض”.رشيدة داتي لم تصل إلى ما هي عليه الآن بالمجاملة أو الحظ، بل صنعت اسمها بكفاحها، وأثبتت أنها من معدن لا يصدأ، مغربية الأصل فرنسية الانتماء، لا تحتاج شهادة حسن سيرة من أحد، لا منك سيدتي مليكة صورال ولا من أي شخص يحاول إضعافها بعبارات جوفاء.

من المضحك أن تستعملين سيدتي صورال أسماء مثل الجنرال ديغول وأندريه مارلو لمحاولة التشكيك في رشيدة داتي. ألهذا الحد أصبح النقاش السياسي ضحلاً؟ لو كان الجنرال ديغول على قيد الحياة، لرأى في رشيدة داتي نموذجا حيا للقيم التي سعى إلى غرسها في فرنسا، قيم العمل والانتماء والجدارة. ولو كان أندريه مارلو حاضرا اليوم، لكان فخورا بأن تكون وزارة الثقافة الفرنسية بين يدي امرأة صنعت نفسها بنفسها، ولم تستنجد أحدا للوصول إلى منصبها.

رشيدة داتي لم تنس جذورها ولم تنسلخ عن هويتها كما تفعل الحرباء، بل بقيت وفية لأصلها ومعتزة بوالدتها، تلك المرأة التي أنجبت لبؤة سياسية لا تخشى المواجهة ولا تساوم على مبادئها.

أما انت سيدتي السياسية المحترمة مليكة صورال، التي تدعين الدفاع عن الثقافة الفرنسية، فلا ندري عن أي ثقافة تتحدثين؟ هل الثقافة هي إنكار الأصول؟ هل الثقافة تعني التنكر للأمومة والتجرؤ على قدسيتها؟ “واش جاب كوعو لبوعو؟” إن فرنسا، التي تتبجحين بالانتماء إليها، هي بلد يزدهر بتعدد الثقافات، وليس بطمس الهويات وإلغاء الفوارق. رشيدة داتي لم تخترع هذه القيم، بل تعيشها واقعا وتجسدها في كل خطوة تخطوها.

صورة والدتها على مكتبها ليست مجرد ديكور، بل هي اعتراف بالجميل، هي جذور تمتد في أرض الواقع، هي رسالة لكل من نسي أصله أن الفخر بالأم ليس تهمة، بل وسام شرف. وإذا كان هذا يزعج البعض، فالمشكلة ليست في الصورة بل في عيون ترى فيها تهديدا لمفاهيمها الضيقة. إن محاولة استهدافها من خلال صورة والدتها المحجبة، هي سقطة أخلاقية لا تُغتفر ” اجي ابا نوريك دار اخوالي” هل أصبح البر بالوالدين تهمة؟ هل أصبح الفخر بالأم جريمة؟ الصورة التي وضعتها رشيدة داتي في مكتبها ليست بيانا سياسيا، بل هي عرفان واعتراف بالجميل لامرأة ضحت وكافحت، فأنجبت لنا وزيرة ذات جذور ثابتة وفرعها في سماء بلدنا فرنسا.

الثقافة التي تمثلها رشيدة داتي سيدتي مليكة صورال ليست ثقافة الإنكار، بل ثقافة الافتخار بالأصل، وهذا ما لا يفهمه من قد باع روحه في سوق الشعارات الفارغة.

رشيدة داتي ليست بحاجة لمن يدافع عنها، لأنها تتحدث بنفسها بأفعالها ومواقفها. ولكن من واجبنا أن نرد على الافتراءات ونقف في وجه من يحاولون التقليل من شأنها. هي لم تأتِ إلى السياسة محمولة على أكتاف غيرها، ولم تتسلق عبر الأبواب الخلفية، بل دخلت من أوسع الأبواب بجدارتها. “إمراة بألف رجل”.

أما الذين يستخفون بقداسة الأمومة، فعليهم أن يخجلوا من أنفسهم. الأم تبقى أمًا، بقْشَاوْشْهَا، بتضحياتها، بلغتها ولهجتها كما هي، لا تحتاج إلى تصديق من أحد لتكون عظيمة. رشيدة داتي لم تتنكر لأصلها، ولم تتخلَ عن قيمها، وهي اليوم مثال للمرأة القوية التي تجمع بين ثقافتين بكل فخر. من يهاجمها لا يهاجمها لأنها وزيرة، بل لأنه عاجز عن الوصول إلى مكانتها.

فرنسا سيدتي التي تدّعون حمايتها من رشيدة داتي، هي نفسها التي احتضنت أمثالها ممن لم ينسوا جذورهم. والمغرب، الذي أنجبها، يفتخر بها كما يفتخر بكل أبنائه الذين رفعوا رايته أينما حلّوا. وكما قال المغاربة دائمًا: “اللي ما عندو خير في والديه، ما عندو خير في بلادو”. رشيدة داتي تعرف جيدا من أين أتت وإلى أين تذهب، ومن يريد أن يتحداها، فليثبت جدارته أولًا، بدل أن يختبئ خلف كلمات خاوية ومزايدات عقيمة.

أقولها بكل وضوح: رشيدة داتي شجرة ثابتة الجذور، قد تعريها الرياح من الأوراق، لكن لا تسقط، ولن تنحني أمام محاولات التقزيم البائسة. كما قال العظيم عبد الرحمان منيف” افضل أن اموت كالشجر الواقف”.

الثقافة الشرقية يا سيدتي المحترمة، التي يبدو أن البعض يجهل قيمها وانك تناسيت اعمدتها، تبجل الأم وتضعها في مصاف التقديس ” الجنة تحت اقدام الامهات”، لأنها أساس الوجود، وهي التي تضحي بالغالي والنفيس لتصنع لنا أبطالا وقادة لا يركعون أمام العواصف. أم رشيدة داتي لم تكن مجرد امرأة عادية، بل كانت صنديدة حملت هموم الحياة على كتفيها لتنجب لنا المرأة الشجرة وإن قد تعريها الرياح من الأوراق، لكن تبقى شامخة لتورق ربيعا خالدا. وأفضل للورق أن يسقط منها على أن يتحول إلى هشيم بلا قيمة.

رشيدة داتي من العدالة إلى حضن الثقافة، ها هي اليوم وزيرة الثقافة، لأنها تدرك أن الثقافة ليست إقصاء ولا محاكم تفتيش، بل تلاقح أفكار وانفتاح على الآخر.

أما الذين يحاولون تقزيمها والإساءة إليها، فليس أمامهم سوى الاعتراف بأن “لو كان الخوخ يداوي، يداوي راسو”، لأن قوة رشيدة داتي ليست في المنصب الذي تشغله، بل في كونها رمزا لنجاح المرأة ذات الأصول المهاجرة، امرأة لم تتنكر لأمها ولا لوطنها الأم، بل جعلت من هويتها جسرا بين ثقافتين، وهذا ما لا يستطيع فهمه من فقد بوصلته بين ماض يتنكر له وحاضر لا يستطيع احتضانه.

لذلك، نقول لرشيدة داتي: امضي في طريقك، فالهجمات الرخيصة لن تزيدك إلا تألقا، وتذكري دائمًا أن “عدوة المرأة، للأسف، هي المرأة”، لكن المغربيات، المثقفات وغير المثقفات، الأمهات والبنات، تعتز بك وبما تمثلينه. وكم هو فخري بك وبالام التي انجبتك. اقولها واعيدها “وأهل مكة أدرى بشعابها”. فرنسا تعرف جيدا من تكونين، وستبقى الألقاب والمناصب تتغير، لكن الاحترام الحقيقي لا يناله إلا من يستحقه.