الجزائر ورقصة الديك المذبوح

 

 

 

بقلم: زكية لعروسي

بعد زيارة رشيدة داتي، وزيرة الثقافة الفرنسية، إلى الصحراء االمغربية، باتت القوة الضاربة في جميع الجهات تحارب طواحين الهواء، إذ عاد الجدل ليتصاعد بين الجزائر وفرنسا، وكأننا في مسلسل لا نهاية له. الجزائر، التي تتشدق بمواقفها “الشرعية الدولية”، والتي تحاول أن تظهر كمن يدافع عن حقوق الشعوب، نزلت من علياء الشعارات إلى الزوبعة السياسية عندما انتقدت الزيارة ووصفتها بأنها “إهانة للقانون الدولي”. لكن الأسئلة الكبيرة التي لا يبدو أن أحدا يطرحها: هل الجزائر فعلا تسعى للسلام في المنطقة أم أنها تواصل تمويل الصراع بكل ما أوتيت من قوة لدوافع أخرى؟ ومتى كانت “حقوق الشعوب” أولويتها؟

لا شك أن الجزائر تبني جدرانها السياسية على فكرة “الشرعية الدولية”، لكن ما يظهر في الواقع هو أن الجزائر تعيش في حالة من التناقض الصارخ. في الوقت الذي تتهم فيه فرنسا بتجاهل المواثيق الأممية، تواصل الجزائر دعم جبهة البوليساريو بشكل سافر. دعم لا يتوقف عن تمويل النزاع العسكري والسياسي، وكأن الجزائر لا تكتفي بالمطالبة بـ”الحقوق” بل تريد فرضها بالقوة وبأي ثمن. ولأن الجزائر لا تكف عن الحديث عن “الشرعية”، يبقى السؤال: إذا كانت الجزائر حقا تسعى للسلام، فلماذا هذا الدعم المستمر لجبهة تحارب من أجل استقلال معركة طاحنة لم تسفر عن أي تقدم حقيقي منذ خمسين عامًا؟وهل هذا للشعار أم العبرة؟

تسعى الجزائر إلى إبراز نفسها في كل مرة كحامية لحقوق الشعوب، لكن تصرفاتها تقول شيئًا آخر. كيف يمكن للجزائر، التي تسير على خطى متعرجة من خلال صراعها الدائم مع المغرب، أن تدعي الدفاع عن القوانين الدولية وهي تدعم كل خطوة تؤدي إلى تفاقم النزاع في المنطقة؟ مثلنا المغربي يقول “حجرة على حجر، وكل واحد فينا شاف حجرو”، وما يبدو واضحا أن الجزائر لا تنظر إلى المصلحة العامة بقدر ما تسعى لتحقيق مصالحها الضيقة في المنطقة.

ما يثير الاستغراب هو الهجوم المستمر على فرنسا، التي تقف اليوم في موقف محرج بين دعم المغرب وصراعها التاريخي مع الجزائر. الجزائر تتهمها بأنها تساند “الاحتلال المغربي”، واعتبرت زيارة رشيدة داتي بمثابة “تحالف بين مستعمرين”. لكن هل الجزائر حقا في موقع يسمح لها بإطلاق مثل هذه الاتهامات؟ الجزائر نفسها تتبنى سياسة مماثلة حين تدعم البوليساريو، وتخوض حربا بالوكالة ضد المغرب على أراض ليس لها عليها أي سيادة دولية. وكأنها تقول “أنا ماشي حاضن الطير، وأنا ضربته برقة”، إذ يتراءى لنا أن الجزائر تسعى فقط لنسج خيوط جديدة لصراعات قديمة، بدلا من العمل الجاد على وضع حد لهذا النزاع.

من خلال موقفها الحاد من زيارة داتي، تظهر الجزائر وكأنها تهاجم نفسها قبل أن تهاجم أي طرف آخر ” يتسبب في البلاء ويتعجب إذا حصل” إذا كانت الجزائر تدافع عن مبدأ الشرعية الدولية، فهي بذلك تضرب عرض الحائط بكل المواقف التي تتعارض مع مصالحها الإقليمية ” يفعل الجاهل في نفسه ما لا يفعل العدو في عدوه”. فكلما تم طرح حلول وسط أو توصلت أطراف إقليمية إلى تفاهمات، نجد الجزائر تزداد عنادا، حيث ترى أن كل خطوة نحو السلام هي تهديد مباشر لموقعها. ومن هنا تظهر التناقضات: الجزائر تطالب بتطبيق قرارات الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، وفي الوقت نفسه تواصل دعم البوليساريو من أجل وضع يدها على الورقة الرابحة في النزاع.

إذا كانت الجزائر تهتم بالشرعية الدولية، لماذا تتجاهل التوصيات التي تحث على إيجاد حل سلمي للصراع؟ لماذا لا تتخذ مواقف تساهم في الحل بدلاً من تغذية الصراع؟ مثلنا المغربي يقول “من حفر حفرة للآخر، وقع فيها”، وهكذا تجد الجزائر نفسها محاصرة بين دعمها لبوليساريو ومحاولة إظهار نفسها كداعم للسلام. لكن الواقع يكشف عن سياسة تملأها الهزات والاهتزازات وبوهزاز، لأن الجزائر في النهاية لا تسعى للسلام بقدر ما تسعى للانتقام من المغرب وفرض سيادتها على ملف الصحراء الغربية، فشعرها الذي تبغيه من خلال بوهزاز الديبلوماسي هو المصالح لا القوانين

الجزائر، إذا استمرت في هذا المسار، قد تجد نفسها في مواجهة مع الواقع، حيث لا يمكن للصراع أن يستمر إلى الأبد. قد تكون لحظة الحقيقة قد حانت، ويجب على الجزائر أن تتخلى عن الشعارات وتواجه النتائج الحقيقية لأفعالها.