رشيدة داتي في العيون: الثقة تصنع التاريخ، والاسود لا ينشغلون بطنين الذباب

باريس: زكية لعروسي

في خطوة جديدة تكرّس هيبة المغرب الدبلوماسية وترسّخ دينامية حضوره القوي، ما لم يطرأ طارئ، ستقوم رشيدة داتي ابنة المغرب البارة والنائبة الأوروبية السابقة، ووزيرة الثقافة الفرنسية بزيارة إلى المغرب يومي 17 و18 فبراير المقبل [وفقًا لموقع Africa Intelligence] حيث يُتوقع أن تدشّن المركز الثقافي الفرنسي بمدينة العيون، القلب النابض للصحراء المغربية. لحظة تاريخية تتقاطع فيها الثقافة والدبلوماسية، في مشهد يُظهر مجددا عبقرية المغرب في استثمار أدواته الناعمة لتثبيت سيادته، بينما خصومه لا يزالون يتخبطون في شعارات جوفاء وأوهام عابرة.

زيارة رشيدة داتي ليست حدثا عاديا، بل تأتي في سياق اعتراف متصاعد بمغربية الصحراء ودعم صريح لمبادرة الحكم الذاتي كحلّ وحيد للنزاع المفتعل. هذا الحراك المتزايد تجسّد سابقا في زيارة تاريخية لسفير فرنسا بالرباط، كريستوف لوكورتييه، إلى مدينتي العيون والداخلة بين 11 و13 نوفمبر، تأكيدا على أن هذه المدن باتت جزءا لا يتجزأ من الخريطة الدبلوماسية الدولية.

تدشين المركز الثقافي الفرنسي في العيون يحمل رمزية عميقة، تتجاوز الأبعاد الثقافية إلى رسائل سياسية لا تخفى على أحد. إنها لحظة تجدد التأكيد على المكانة المحورية للعيون في الشراكة المغربية-الفرنسية، واعتراف بأن المغرب ليس مجرد لاعب في الإقليم، بل هو صانع للتوازنات الكبرى. رشيدة داتي ليست سياسية تقليدية؛ بل تمثّل نموذجا لشخصية تُتقن فن التحرك في دوائر القرار الدولي، وتجعل من كل زيارة رسالة مدوية تعزز مكانة المغرب على الساحة العالمية.

وفيما يتقن المغرب فن الدبلوماسية الهادئة، هناك من يظن أن الشعارات الحماسية والصراخ الإعلامي يمكن أن يُعيد تشكيل الواقع. هؤلاء يعتقدون أن النَفَخ في الذات قد يحولهم إلى عمالقة، متناسين أن التاريخ يكتبه من يعملون بصمت ودهاء، لا من يملأون الفراغ بالضجيج. الأسد لا ينشغل بطنين الذباب، والمغرب لا يحتاج إلى استعراض أجوف لإثبات وجوده؛ فهو يعرف تماما أين يقف، وأين يريد أن يمضي.

فرنسا تُدشّن في العيون، والمغرب يمضي بخطى واثقة. كل خطوة يخطوها تكتب سطرا جديدا في قصة نجاح دبلوماسي متفرد، في حين يظل خصومه رهينة حساباتهم الضيقة وأحلامهم المستعارة. فلا تغرّنكم الشعارات الفارغة، أيها الطامحون إلى مجد مستعار؛ فالكبار يخططون وينجزون، أما المهرجون فلا مكان لهم سوى في سيرك السياسة العابرة.

المغرب، هذا المُلكُ العريقُ بوجه متجدد، يواصل كتابة تاريخه بثقة سيادية وعراقة لا تذبل. بينما ينسج خيوط مستقبله بدقة، يراقب من بعيد من يحاول اللحاق به دون خريطة أو بوصلة. ومن أراد أن ينافس الأسود، عليه أولا أن يتعلم كيف يمشي وأين يقف.