بقلم: عبد السميع الورياغلي
لم يسبق أن احتل المغرب موقع الصدارة “الإعلامية” بالجزائر، مثلما هو حاصل في عهد تبون اليوم. تكاد أمهات القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية، في بلاد الجار الشرقي، لا تساوي شيئا أمام قضية المغرب الأولى، أي أقاليمه الجنوبية. وفي أحيان أخرى، ما تفتأ أن تتحول كل تلك القضايا، في محاولات البحث عن أسبابها وارتباطاتها الخارجية، من وجهة نظر المسؤولين الجزائريين وإعلامييهم، إلى “المخزن”. لقد اكتشف هؤلاء، مرة واحدة، أن الاسم الحقيقي للمغرب هو المخزن. يتم اجترار هذا المصطلح بشكل متواتر، مع الجزم بأن المتوجهين به إلى الجزائريين، هم أنفسهم لا يعرفون من دلالاته التاريخية والرمزية ولا أي شيئ.
دولة شاسعة، بأكثر من أربعين مليون مواطن، مثل الجزائر، تجد نفسها وقد ابتلعت من قبل جارها الغربي، لكثرة ما باتت لا تنام بدونه ليلة واحدة.. إنما هي لمفارقة كبرى، على سبيل “من الحب ما قتل!!!”. وإذ يصر الحكام الجزائريون على تصدير مشاكلهم إلى المغرب، بدعوى أن منه تأتي كل المصائب والشرور (الجفاف، والجراد، وحرائق الصيف، إلخ)، على أمل تهدئة نفوس الجزائريين الغاضبين من الوضع الكارثي في بلاد الغاز والبترول، فهم يستصغرون وطنهم، إلى درجة أن لا يبدو له وجود بين الأمم.
إذا كان هناك من اكتشاف عظيم للرئيس تبون، فهو المغرب، أو بالأحرى المخزن. ففي عهده، حطمت درجة حضور المغرب في الشرايين الجزائرية كل النسب المائوية. كما أن كل الادعاءات السابقة، أي منذ استقلال الجار الشرقي، من قبيل مساندة نضالات الشعوب من أجل تقرير مصيرها، أصبحت مع العم تبون خروجا عن كل الأعراف الدولية. الجميع باتوا يعرفون، اليوم، أن الصحراء المغربية، التي لا علاقة للتراب الجزائري بها، صارت البوصلة المحددة للسياسة الخارجية للنظام الشرقي: التحالفات العسكرية، الصفقات التجارية، العلاقات الدبلوماسية. ما حصل مع إسبانيا سابقا، وما يحصل مع فرنسا حاليا، لهما من أفضل الأدلة على عبث حكام المرادية بمصالح الجزائريين، ومقدراتهم، وعلاقاتهم.
غير أن التاريخ يذكرنا بأن تورط الجيران كلما زاد، وبالتالي انفضحت نوايا هؤلاء أمام المنتظم الأممي، إلا أوشكت القضية على الحسم النهائي. هذا ما يحصل بالضبط، حيث نرى وقائع سحب الاعتراف بالبوليساريو تتالى، حتى من قبل كثير من الدول، المعدودة صديقة للجزائر وللانفصاليين تاريخيا. ولو كان لحكام المرادية أدنى درجة من الذكاء السياسي، أو بالأحرى شعور إيجابي تجاه مصالح شعبهم، وشعوب المنطقة ككل، لبادروا إلى المساعدة في إسدال الستار على قضية، لم يجنوا منها إلا الخسران المبين منذ عقود.
لقد عششت قضية الصحراء المغربية كثيرا في العقل السياسي الرسمي للمرادية، إلى درجة أن استنزفت أصحابه وشعوبهم، ماديا وديبلوماسيا. فمتى يشفى العسكر من حب المغرب؟ في اعتقادي، وجوابا على السؤال المطروح، فإن الدواء الفعال، في مثل هذه الحالة، هو: النسيان.
ـ انسونا شوية.. رحمكم الله.