بقلم: زكية لعروسي
نعيش اليوم مشهداً تاريخياً يكتب مباشرة على الأرض العربية دون انتظار التوثيق في كتب التاريخ أو المرور بمقاعد المدارس. ما يجري في سوريا ليس سوى جزء من سلسلة مناورات دولية تعيد تشكيل خرائط المنطقة في الظل، حيث تشهد البلاد فصولاً جديدة من التدخلات الخارجية، من تركيا وأمريكا إلى إسرائيل، وسط صمت مريب أو انشغال متعمد بما يجري في غزة، التي تبدو وكأنها تُدفع عمداً إلى قوقعة النسيان.
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أعلنت الولايات المتحدة مؤخراً إلغاء مكافأة الـ10 ملايين دولار التي كانت مرصودة لمن يقدم معلومات عن أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام. جاء ذلك عقب تعهد الجولاني بعدم تهديد المصالح الأمريكية، وهو تصريح يضع علامات استفهام كبيرة حول طبيعة التحالفات الجديدة.
وفقاً لتصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إيثان ليف، جاء القرار بعد لقاء مع مسؤولين في دمشق، بينهم الشرع، حيث ناقش الطرفان مستقبل الانتقال السياسي في سوريا. وأكد ليف أن اللقاء تناول ضمان عدم تشكيل الجماعات الإرهابية تهديداً داخل سوريا أو خارجها، وهو ما التزم به الجولاني علناً.
هل هي لعبة جديدة أم واقع قديم بحلة معاصرة؟
أمام هذه التحولات، يطرح السؤال الكبير نفسه: في أي عالم نعيش؟ هل نحن أمام لعبة دولية جديدة تستهدف إعادة ترتيب الأوراق، أم أن الأمر مجرد امتداد لمخططات قديمة لم تعد خافية؟
أمي خيرة كانت تقول دائماً: “يقمر ويبان”، في إشارة إلى أن الحقائق تظهر مع الوقت. يبدو أننا اليوم نعيش مرحلة “تمسكن حتى تمكن”، حيث يتم رسم خريطة جديدة للمنطقة، كما رُسمت من قبل خرائط سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.
وسط هذه الفوضى الإقليمية، تُدفع غزة إلى الهامش، حيث تحاول القوى الكبرى تحويل الأنظار عنها، وكأنها ليست جزءاً من المأساة الكبرى التي يعاني منها العالم العربي. ما يجري هناك من مأساة إنسانية ودمار يُغلف بصمت دولي مريب، وكأن المطلوب هو تلاشي القضية الفلسطينية من الذاكرة الجماعية.
اليوم، يعيد التاريخ نفسه، وتكرر المشاهد ولكن بوجوه وأسماء مختلفة. القوى الدولية تعمل على تقسيم العالم العربي مرة أخرى، ونحن نراقب المشهد دون أن نملك زمام التغيير. ما يحدث في سوريا وغزة هو تأكيد آخر على أن اللعبة أكبر مما يبدو، وأن الأجيال القادمة ستروي قصص هذه المرحلة كما نروي نحن الآن قصص الحربين العالميتين.
فهل نكتفي بالمشاهدة أم نصبح جزءاً من كتابة هذا التاريخ؟