على ضوء الخطاب الملكي.. «فالعُسر باليسر مقرونٌ ومتَّصِلُ»

بقلم: زكية لعروسي

غمرني فخر عظيم أثناء حضوري الأسبوع الثقافي العربي بمنظمة اليونسكو، حيث اجتمعت بكبار الفاعلين الثقافيين من مختلف أنحاء العالم. كان شعور الفخر ممتزجاً بشجن يشاركني فيه أبناء المهجر من المثقفين المغاربة الذين يشعرون بوطأة التهميش، ويعيشون حنيناً جارفاً للوطن، وسعياً متواصلاً للحفاظ على هويتهم في بلاد الاغتراب. ذاك الشجن يحاكي توقاً حقيقياً لصون الهوية الثقافية، وسط الغربة التي تلهب قلوبنا وتذكرنا دوماً بجذور مغربية متأصلة لا تزول.

لكن وسط هذا الفخر، وجدت نفسي أتساءل بأسى: أين أبناء الجالية المثقفون من هذا المحفل؟ وأين هي مشاركتهم في عرض وجه الثقافة المغربية للعالم؟ غيابهم كان مؤلماً، إذ لم أجد في الساحة الثقافية من يشاركني الانتماء إلا قلة، بل إن بعض المثقفين القلائل الحاضرين دُعوا من جهات غير مغربية! كان حضور فرقة التراث الأندلسي وأستاذنا محمد قرماط ومدير التراث المغربي مشرقاً، لكنه يثير سؤالاً مؤلماً: أين الأدباء والمفكرون المغاربة؟ أين الباحثون من أبناء الجالية الذين يملكون من القدرات ما يكفي لتمثيل وجه المغرب الحضاري؟

إن منظمة اليونسكو تعتبر منصة مفتوحة لنقل ثقافات الشعوب وفنونها، وما أحوجنا لإبراز الثقافة المغربية بثرائها وتنوعها في مثل هذه المحافل. الثقافة ليست حجراً ثابتاً، بل ماء يتدفق، ويتحول، ويتجدد دائماً. المغرب متكامل بين ثابته ومتحوله، وبين من هم على ارض الوطن وخارجه.

في هذا السياق، جاءت الالتفاتة الملكية السامية لتعيد الأمل، فخلال خطابه الأخير، دعا صاحب الجلالة الملك إلى إعادة النظر في نهج الدولة تجاه الجالية المغربية بالخارج، مشيراً إلى ضرورة وضع استراتيجية متجددة تعزز التأطير الثقافي واللغوي والديني، وتكرس الهوية المغربية بين أبناء الجالية التي يبلغ تعدادها نحو خمسة ملايين مغربي. وأكد جلالته على أهمية تلك الجالية التي تبدي حساً وطنياً عميقاً، وحضوراً دائماً في الدفاع عن القضايا المقدسة للمملكة، وعلى رأسها وحدة الأراضي المغربية.

لقد أعرب جلالته عن الحاجة إلى إحداث تحول حقيقي في كيفية إدارة شؤون الجالية المغربية بالخارج، وذلك من خلال إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بهدف تجنب التداخل في الاختصاصات وتشتت الجهود، وجعلها أكثر انسجاماً مع الحاجيات المتجددة لهذه الجالية. وأشار إلى أن هذه الهيكلة ستركز على كيانين أساسيين:

الأول هو مجلس الجالية المغربية بالخارج، والذي يُعد مؤسسة دستورية مستقلة يجب أن تضطلع بدورها الكامل كإطار للتفكير وتقديم المقترحات، وأن تعكس التمثيلية الشاملة لهذه الجالية.

الثاني هو “مؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج”، التي ستصبح بمجرد تأسيسها الذراع التنفيذي للسياسات العامة الموجهة للجالية المغربية بالخارج.

وأكد جلالته أن هذه المؤسسة ستتولى تجميع المهام التي كانت موزعة بين عدة جهات، وتنسيق وضع وتنفيذ استراتيجية وطنية متكاملة للمغاربة المقيمين في الخارج، كما ستدير “آلية تعبئة الكفاءات المغربية” بالخارج، مما سيفتح المجال أمام الكفاءات والخبرات المغربية لتعزيز حضورها والمساهمة في التنمية الثقافية والفكرية لوطنها.

ومع هذه الالتفاتة الكريمة، نجد أنفسنا اليوم أمام فرصة ثمينة لتعزيز الأواصر بين أبناء الجالية ووطنهم الأم، وترسيخ روابط الهوية المغربية، ونُثني على هذه الجهود الملكية التي تدعو إلى تأطير ثقافي ولغوي وديني متين لأبناء الجالية. ولعل إنشاء المؤسسة المحمدية خطوة مهمة في هذا المسار، إلا أننا نطمح أيضاً إلى تأسيس مركز ثقافي خاص بأبناء الجالية، يكون حلقة وصل حقيقية بين المغرب وأبنائه بالخارج، ويعزز انتماءهم لجذورهم الثقافية العريقة.