بقلم: سعيد بوعيطة
عرفت السنة الدراسية الماضية، هدر ما يزيد عن ثلاثة أشهر من الزمن المدرسي بسبب سياسات المسؤولين عن هذا القطاع الحيوي. لكن على الرغم من العديد من المشاكل والقضايا الشائكة التي كشفت عنها إضرابات رجال التربية والتعليم والبارزة للعيان، فقد بقيت دار لقمان على حالها، وكأن شيئا لم يقع. لكن مع بداية انطلاق السنة الدراسية الحالية، تم إصدار مذكرة خاصة لمدراء الأكاديميات والمديرين الإقليميين لوزارته بتاريخ 04 شتنبر، تدعوهم إلى استقبال التلاميذ الذين يرغبون في ممارسة رياضة الغولف والاعتناء بهم. مما يجعل الذي يقرأ تلك المذكرة، يظن أنها موجهة لمدراء في بلدان أخرى غير بلدانهم. فهل الذي أصدر هذه المذكرة على وعي تام بواقع المدرسة المغربية اليوم؟ أم أنه كما يقول المثل ”آش خاصك العريان، الخاتم أمولاي”. مهما تكن الظروف العامة للمدرسة المغربية، فإن هذه المذكرة تؤشر على أن الباهية كملات كما يقول المثل المغربي. فهل الباهية اكتملت فعلا، أم ليس بعد؟
كملات الباهية
”كملات الباهية”، مثل مغربي، يطلق عادة على سبيل السخرية والتهكم من وضع يزداد سوأ بعد أن كان سيئا في الأصل. ارتبط هذا المثل الشعبي بحكاية ذات إرتباط وثيق بالمدينة الحمراء/مراكش. إنها القصة ذاتها التي تناقلتها الألسن عبر الأجيال وحكاها رواة الحلقة بساحة جامع الفنا، على الرغم من عدم ورودها في أي كتاب أو مصدر يعني بمسائل التاريخ والتراث المغربي. ارتبطت بشخصية أحمد بن موسى الشرقي (الاسم الحقيقي لشخصية حملت لقب “باحماد”). حيث عرفت هذه الشخصية بالشدة والحزم في سائر الأمور. مما أهلها لتشغل منصب الحاجب ثم الصدر الأعظم بعد ذلك، إبان عهد السلطانين محمد الرابع والحسن الأول. كما لعبت دورا لا يستهان به في تنصيب السلطان عبد العزيز الذي كان في سن مبكرة عندما اعتلى العرش.
كان باحماد شديد الشغف بالباهية (ابنة عباس بن داوود) باشا مراكش. تقول الحكاية (والعهدة على الراوي) أن حالة باحماد تبدلت تماما بعد زواجه من “الباهية”، حيث سيطرت عليه فكرة تشييد قصر الباهية تعبيرا عن مدى حبه لها، وهو الذي انتدب من أجل هذه المهمة أمهر الصناع والحرفيين من شتى بقاع المغرب. ليصير باحماد الرجل الصارم الحازم أكثر تساهلا فيما بعد. أصبح يمر على القضايا مرور الكرام بعد أن كان لا يسمح “للبق أن يزهق” كما يقال، في سائر شؤونه وشؤون الدولة. وأصبح حال لسانه لا تفارقه جملة ”غير بلاتي حتى تكمل الباهية. بمعنى حتى يكتمل قصر الباهية، ليتفرغ بحزم مجددا لباقي الأمور ـ لكن القدر كان أقسى عليه مما كان، إذ أنه سيتوفى قبل أن يشهد نهاية الأشغال بالباهية الذي سيجمعه بالباهية، لكن الأنكى من ذلك أن مآل صهره عباس بن داوود وابنته الباهية لم يكن أحسن حالا، فالباشا القوي تم نزعه من منصبه وصلاحياته، بل ونفي خارج المدينة، فيما الباهية ( زوجة باحماد) لم تصمد طويلا لتلتحق بزوجها بعد سنتين فقط من وفاته. ومن يومها صارتتكمل الباهية، مضربا للأمثال. فلا قصر الباهية اكتمل، ولا باحماد عاش مع زوجته الباهية كما عشق وارتضى لتفسه.
الغولف المدرسي، والباهية التي لم تكتمل
جاءت المذكرة الخاصة بالغولف المدرسي، وكأن المدرسة المغربية في أحسن حال. سواء بخصوص التجهيزات والمعدات، وكذا البرامج والمناهج الدراسية. لكن واقع الحال، يؤشر على أن العديد من المدارس (حتى لا نقول الجميع) التي تسعى المذكرة إلى برمجة رياضة الغولف فيها، تفتقر إلى أدنى الشروط الأساسية للعمل والتمدرس معا. ففي بعض المدارس (خاصة العالم القروي)، يتلقى التلاميذ دروسهم في أقسام مهترئة، قاعات بلا نوافذ ولا أبواب، وطاولات متآكلة. كما توجد مدارس أخرى، بلا مراحيض ولا ربط بالماء أو الكهرباء. وأخرى ذات فصول دراسية مشتركة. تدرس فيها مستويات متعددة من “التحضيري” إلى النهائي. فهل هذا الواقع، يجيز لنا الحديث عن إمكانية ممارسة الغولف بالمدارس. كأن قصر الباهية (المدارس) قد اكتمل، وأن باحماد في غاية البهجة والسرور بإنجازه. بمعنى إن هذا الغولف الذي جعل الباهية (المدرسة) تكتمل، من شأنه الارتقاء بالمدرسة المغربية وجلب السعادة والطمأنينة إلى نفوس التلاميذ في مختلف مناطق البلاد.
لهذا، دعت هذه المذكرة المسؤولين المحليين للوزارة إلى التشجيع على ممارسة الغولف والانخراط في الأندية المخصصة لهذه الرياضة. لأن المدرسة المغربية تخلّصت من كل المشاكل والمعيقات، ولم يتبقّ لها سوى الترويح على الطلاب بهذه الرياضة. تخلّصت من مشكلة المناهج الدراسية التي تقوم على التلقين والشحن، عوض التشجيع على التفكير والإبداع. كما تخلصت من مشكلة تردّي البنايات والتجهيزات في الكثير من المناطق النائية، ومن شكاوى المدرّسين والمدرسات، ووفرت لهم ظروف عمل مناسبة، و عملت على التخفيف من وزن المحفظة الضخمة التي أثقلت كاهل التلميذ حتى أصبحت الأم اليوم حمالة للمحفظة الثقيلة صباح مساء مرافقة التلميذ إلى المدرسة، وأثقب جيوب الآباء (المثقوبة في أصلها)، نتيجة غلاء الكتب المدرسية ولوازمها.
في الحاجة إلى الرياضة المدرسية
الارتقاء بالرياضة المدرسية، لا يعنى البتة تشجيع التلاميذ على ممارسة رياضة الغولف بقدر ما يتطلب الاهتمام بمادة التربية والرياضة التي تعتبر من ضمن المواد البيداغوجية المهمة في الوسط المدرسي (كرة اليد، كرة السلة، ألعاب القوى…الخ)، والانكباب على تطوير الرياضة المدرسية من خلال تحسين مختلف البنى التحية لهذه الرياضة، وخلق أندية رياضية داخل المؤسسات التعليمية. مما يستوجب إصلاح ما هو موجود أصلا، وإقامته على أسس متينة وعلاج المشاكل والاختلالات القائمة، قبل إصدار مذكرات جديدة. وحتى لا ينطبق على قطاعنا التربوي المثل المعروف “لالة زينة وزادها نور الحمام”. لهذا أقول لكم: انتظروا حتى تكتمل الباهية، إني معكم من المنتظرين.