بقلم: سارة بوعزة*
بالرجوع للحديث عن منافع ومساوئ منصات التواصل الرقمية، نجد أنها ساهمت بشكل مهول في تسهيل انتشار الشائعات والمعلومات الخاطئة، والادعاءات الكاذبة. وبما أن جل متتبعي الصفحات المجانية صوت وصورة ليس لهم أي تكوين يذكر، فإن غالبية الخطابات المظللة تمر بسلاسة. هناك أفراد وجدوا ضالتهم لكسب رزق من عدد المشاهدات، وهناك أشخاص مغمورين استطاعوا أن يثبتوا وجودهم ولو بترويج تفاهات وهناك مؤثرين صادقين وآخرين يعملون تحت الطلب. ففي خضم هذه التموجات لطالما وجدتها شخوص غير موثوقة، فرصة للظهور على صعيد الإعلام وإثبات الحضور في الفضاء العام. هكذا نجد صفحات مفبركة تعمل بمبدأ الاستفادة من الأزمات وتوظيفها لخدمة مصالح ضيقة. فبعضهم يلخص الأحداث كما جاءت على لسان آخرين من قبلهم، وبعضهم يدعي أو يلمح لقرابة مزعومة من أصحاب القرار وصنّاعه، دون أدنى معرفة أو علم بالشيء الذي يتحدثون عنه. كما يعمل تجار الأزمات من خلال إثارة الشائعات المغلوطة لإكثار رقم المشاهدات، ولو على حساب إثارة البلبلة والتشويش على الصعيد المجتمعي والسياسي، ما يؤدي أحيانا إلى انقسام المجتمع والتأثير عليه سلباً، بالاعتماد على دغدغة العاطفة لدى طبقات معينة من المجتمع، تهتم بالمعلومة وليس بمصدرها. فيصبح الضرب في الحكومة و في رموز الدولة إنجاز وعمل بطولي. وإذا كان الحال على هذا المنوال داخليا، فما بالك لما تتدخل جهات خارجية وتستغل بداية ما يروج له داخل البلد نفسه.
فالمغرب يعاني منذ ما ينيف عن خمسين سنة من صحافة نظام العسكر الجزائري بدءا من حكم بومدين إلى بوتفليقة ثم تبون. لن أتحدث في هذه الورقة عن طبيعة هذا النظام وأهدافه الجيوستراتيجية في المنطقة لأنه ليس موضوعي هنا، وعلى العكس أتطرق فقط لمخططاته الإعلامية على خلفية استعماله لتقنيات البروبكاندا التقليدية. وتتمظهر هاته الأخيرة عموما في التوجهات الرسمية لتأطير الرأي العام الداخلي الجزائري وتأليبه ضد كل ما يمت للمغرب بصلة.
ومن بين تلك المكائن الخبيثة التي تتبنى السلطات العسكرية الجزائرية: عكس الوقائع و لعب دور الضحية، ثم قلب الحقائق التاريخية الثابتة و التشكيك في مصادرها؛ كاستراتيجية محبوكة لبث الاشتباهات في أمور لا نقاش فيها. وهكذا لا تتردد في استعمال كل الأدوات المتاحة لضرب “العدو” ولو باستغلال سرديات من نسيج الخيال (إعادة تركيب أحداث تاريخية على أسس مغلوطة) او استعمال أخبار زائفة لتفتيت مصداقية الدولة المغربية في محاولة يائسة لزعزعة الاستقرار وخلق هوة بين الملكية والشعب.
وقد تبدى هذا المخطط منذ اعتماد خطة تكسير صورة الملكية المغربية بالتهجم السافر والمقيت على شخص الملك ومحاولة عزله عن شعبه للنيل من مصداقيته وشعبيته. والواقع أن قرارا من هذا النوع اتخذ جليا وفي أعلى مستوى للهرم العسكري، منذ ثلاث سنوات وتخطى كل الحواجز الأخلاقية والسياسية. بالطبع لم يلق أي ردة فعل من طرف السلطات المغربية الرسمية ما جعله يتمادى في غيه ويصبح مقيتا وقذرا في اصطلاحاته لحد الشتم والقذف المبرح. لكن بالمقابل أشعل فتيل حرب كلامية بين عملاء النظام المجندين لذلك الغرض، وعموم شباب المغرب رواد المواقع الاجتماعية الذين يتصدوا بعفوية ناضجة لتلك الأفعال المشينة، مدافعين عن كرامة بلدهم وذوي جلدتهم. وفي الحقيقة ردة فعل هذا الشباب مهما كانت قوية تنقصها عناصر الحجية وفعالية التنسيق وبناء خطاب موحد يضرب في الصميم ادعاءات نظام الطغمة العسكرية بالجزائر.
وهكذا أصبح من المعلوم اليوم، أن الدولة الجزائرية استثمرت في منصات متخصصة في إطلاق صفحات تحمل عناوين ومواضيع اقتصادية واجتماعية وسياسية، معادية للمغرب ولملك المغرب على أساس أنها صفحات مغربية. وتشتغل هاته المنصات عبر التقاط المواضيع ذات الشأن الوطني مثل غلاء الأسعار والبطالة بالمغرب وكل الانتقادات الموجهة للحكومة المغربية، فتضخمها وتختار لها قالبا يخاطب العواطف ويدغدغ مشاعر البسطاء لتهييج الشارع المغربي وتأليبه على حكامه، في غياب شبه تام لأي تواصل رسمي في القضيةَ!
وجدير بالذكر أن هذه الصفحات هي فقط فيض من غيض، لان مئات المواقع الأخرى تشتغل لمعاكسة الطرح المغربي في كل المجالات، لدرجة أنه من الصعب أن تجد صفحة مغربية في أي موقع كان (فيسبوك، انستغرام، تيكتوك، تويتر – ايكس) دون حضور ذباب الكتروني كثيف يتقمص شخوص مغربية لبث سموم التفرقة بين المغاربة تارة باسم الريف وتارة باسم الامازيغية. وفي غالب الامر كذلك بالركوب على خطاب ديني مبتذل، يسعى للضرب في مقومات الإسلام المغربي المتسامح والغرض المخفي من وراءه، الضرب في صميم إمارة المؤمنين المتوافق عليها منذ فترة الموحدين والتي تشكل أساس تماسك المغاربة على اختلاف أطيافهم.
وأخيرا وليس آخرا، هناك صفحات مضللة عملها الدؤوب نشر الأكاذيب والإشاعات ولو كانت تيمتها مجرد “مسخرة”، لأن تكرارها طوال الوقت، يعطيها شيئا من المصداقية إن لم تصبح حقيقة ثابتة، وهو ما يلاحظ عند عموم المتصفحين الجزائريين الذين يصدقون كل ما يقرؤونه عن المغرب والمغاربة؛ طالما تعرضوا لبروبكندا ممنهجة لعشرات السنين؛ من المدرسة و البيت إلى الوسائط الرسمية من إعلام رسمي وإعلام مدجن، يدعي الاستقلالية لكنه لا يخرج عن خط العسكر قيد أنملة. فتجدها تتحامل على شخصيات سياسية وأمنية مغربية بعينها، حيث أن الرواد والمتفاعلين الجزائريين يتفاعلون فوريا في التعليقات بالدارجة المغربية ليكسبوا كل القراء الذين يتلونهم من بعد، وذلك من أجل تضليل الرأي العام المغربي وتصعيد الغضب الشعبي. وفي هذا الصدد لا يفوتني أن أذكر الحملة الشرسة التي يتعرض لها المغرب منذ إعادة فتح مكتب التنسيق الإسرائيلي بالرباط، واستغلال هذا الحدث استغلالا ماكرا، على خلفية الترويج المضلل الذي يسعى لتسميم علاقات المغرب بالسلطة الفلسطينية وتخريب وشائج الحب والتقدير الذين يجمعان الشعبين خصوصا منذ إعلان الحرب على قطاع غزة.
*باحثة في العلوم السياسية والقانون الدولي