في الحاجة إلى حكومة إلكترونية

بقلم: سعيد بوعيطة

ساهمت الثورة المعلوماتية وتطور الاتصالات الحديثة، في تزايد استخدام الحاسب الآلي وشبكاته وكافة تطبيقاته. مما أدى إلى اتصال الجهات الحكومية أو الخاصة ببعضها البعض في نطاق المكان الواحد أو أماكن عدة، وذلك عن طريق شبكة اتصال، أدت إلى تكوين وحدة حاسوبية، ومن ثم أصبحت بمثابة البنية التحتية للحكومة الالكترونية.

في الحاجة إلى حكومة إلكترونية

الحكومة الإلكترونية، نتيجة طبيعية لثورة المعلومات ومجتمع التكنولوجيا الذي عرفه العالم في السنوات الأخيرة. مما ساهم في العمل على تبني مقاربة تهدف إلى تفعيل الحكومة الإلكترونية في مرافق الدولة، بإعتبارها جزأ أساسيا للولوج إلى عالم المعلومات والاتصالات الحديثة المختلفة. حيث تم اعتماد برنامج الحكومة الإلكترونية من أجل استغلال التكنولوجيات الحديثة لخدمة المواطن والمقاولة، ووضع الحكومة في وضع خاضع أكثر للمساءلة، ولفسح الفرصة لمزيد من التنمية المستدامة. حيث سعت الحكومات الحديثة إلى اختزال الإجراأت المعقدة، وتقدم أفضل وأسرع الخدمات للمواطنين وبأساليب لامركزية، فضلا عن تقليل التكاليف المترتبة على العمل التقليدي (الورقي). حيث يعبر مؤشر المشاركة الإلكترونية عن مدى توافر الخدمات الحكومية للمواطنين، وتوفير البيئة التفاعلية مع المعنيين، والمشاركة في عملية صنع القرار مع المواطنين، وإشراكهم في صياغة السياسات، وتطوير الخدمات العامة للبلد. فهل فعلا يمكن الحديث اليوم على حكومة إلكترونية في عالمنا العربي (المغرب مثلا)؟ هل التحديث المعلوماتي والتقني الذي يعرفه المغرب اليوم، ينم عن مؤسسات حكومية إلكترونية؟ هل فعلا حكومتنا كذلك، أم نحن مجرد كائن ورقي لا غير؟ ألم يحن الوقت بعد للتخلص من الورق المهيمن على مؤسساتنا بشكل لا يطاق؟ أسئلة وأخرى، لا نجد لها أجوبة على مستوى الواقع (إلا في حالات محدودة)، مما يجعلها لا تولد سوى الأسئلة تلوى الأخرى.

واقع حكومتنا الإلكترونية

يحتل المغرب مراتب متقدمة على المستوى الإفريقي، من حيث استخدام شبكة الإنترنت. حيث يوفر العديد من الآليات الإلكترونية في اتجاه التجسيد الواقعي لمشروع الحكومة الإلكترونية التي تراهن على وضع خدمات عمومية إلكترونية رهن إشارة المواطنين والمقاولات والإدارات العمومية. تجلى ذلك على سبيل المثال لا الحصر، في جواز السفر البيومتر، وبطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية، وخدمة أداء الرسوم المحلية، وبوابة الوساطة بالنسبة لسوق الشغل…الخ، من أجل تشجيع الجهود والمبادرات الناجحة في مجال الإدارة الالكترونية. ولترسيخ مبادئ المنافسة بين مختلف مكونات القطاع العمومي في هذا المجال، تم وضع آليات للحكامة لتتبع الحكومة الإلكترونية بالاعتماد على ثلاث هياكل محورية: تجلى الأول في اللجنة البين وزارية للحكومة الإلكترونية يرأسها وزير الصناعة والتجارة، وتحدد هذه اللجنة أهداف برنامج الحكومة الإلكترونية و تقييم منجزاتها. أما الثاني، فتجلى في هيأة قيادة الحكومة الإلكترونية على مستوى الوزارات، وكذا المؤسسات العمومية المعنية ﺑﻤشاريع الحكومة الإلكترونية. أما الثالث، فتجلى في هيأة الخبرات الداخلية والخارجية، ملحقة باللجنة البين وزارية للحكومة الإلكترونية. تقوم ﺑﻤساعدة اللجنة و هيأة قيادة الحكومة الإلكترونية في تفعيل وتنفيذ برنامج الحكومة الإلكترونية.

لكن على الرغم من أن المغرب قد خطا خطوة مهمة فيما يخص الاهتمام بالحكومة الإلكترونية وباستخدام مختلف الوسائل الإلكترونية لتسهيل الأمور على المواطنين وعلى المؤسسات الحكومية وأيضا القطاع الخاص، فإنه لازال يحتل مراتب متدنية على الصعيد العالمي فيما يخص الحكومة الإلكترونية، وحصيلة إنجازه لهذا المشروع الذي يظل في بداياته، على الرغم من مرور سنوات على تطبيق مشروع المغرب الرقمي. لهذا، لا يمكن الحديث عن حكومة تقدم خدماتها للمواطن إلكترونيا، دون أن يكون هذا الأخير غير مستخدم لها. لأن المواطن مطالب أن يشارك بدوره في هذا المشروع التنموي، عن طريق تعلمه لهذه التكنولوجيا الحديثة. ليساهم بشكل فعلي وفعال في خلق شروط وظروف نجاح هذا الصرح التنموي، الذي سييسر للمواطن المغربي الولوج إلى مختلف الخدمات بسهولة وتفاديا لإهدار الوقت.

إن مشروع تطبيق نظام الإدارة الالكترونية، ليس مرحلة زمنية أو مجموعة من الخدمات الخاصة فقط، بل هو ثورة في التفكير والتنفيذ، وثورة للقضاء على البيروقراطية في ظل حياة ازدحمت بحاجة الأفراد إلى الخدمات الحكومية المتغيرة والمتطورة. مما يجعل كل عمل إداري يتم خارج نطاق النظام المعلوماتي، يتسم بالعديد من التعقيدات الإدارية باعتبار أنه يستلزم في بعض الأحيان موافقة أكثر من جهة إدارية على العمل المطلوب. وهو ما قد يتطلب وقتا طويلا. غير أن اعتماد النظام المعلوماتي من قبل الإدارات، يمكن المواطن من الحصول على المعلومة في ثوان معدودة، من خلال شبكات الحكومة الالكترونية التي تتسم بالسرعة في تنفيذ مختلف الخدمات والمصالح. لكن على الرغم من وعي المواطن بأهمية المؤسسات الحكومية الإلكترونية، فإن واقعنا حالنا، يؤشر على أننا نرتبط بالورق أكثر من سواه. فهل نحن كائنات ورقية؟

هل نحن كائنات ورقية؟

تأسست العلاقات فيما بين الجهات الحكومية والأفراد، وكذا المؤسسات في مختلف القطاعات، على تعبئة الطلبات والاستدعاأت المكتوبة…الخ، وغيرها من الوقائع التي تجعل علاقة المواطن بحكومته، لا يحكمها غير الورق والكتابة الموثقة التي ينظمها القانون. لهذا، فبين شهادتي الميلاد والوفاة، يعيش المواطن شقاء رحلة الأوراق التي لا تنتهي، والتي يحتاجها للحصول على الخدمات الإدارية. هذه الإدارة التي تصر على اعتماد النسخ الورقية تجعل من خدماتها عذاباً لا ينتهي. فأمام بوابة الإدارات، يتجمع العشرات من المواطنين ساعات طوال (ناهيك عن بعض الموظفين الذين لا تفارقهم عبارة سير حتى غدا”) في انتظار إنجاز نسخ مطابقة للأصل من أوراق رسمية، أو الحصول على نسخة من عقد الإزدياد على سبيل المثال، لا تتطلب وقتا طويلا، وهكذا دواليك بخصوص باقي مصالح المواطن. لهذا، فإن إلإدارة الرقمية التي يتحدث عنها الجميع، لا يراها أحد على أرض الواقع. لا يرى المواطن سوى النظام البيروقراطية الذي لا يزال مهيمنا على الإدارة، ومعه يستمر زمن الأوراق في معظم المعاملات التي يحتاجها المواطن في حياته اليومية. مما يجعل الانتقال إلى الإدارة الرقمية يواجه تحديات كبيرة. لعل أهمها تأهيل الإدارة و الموظف الإداري (وتجديد من هو غير قابل للتأهيل). لينتقل بدوره من كائن ورقي إلى كائن إلكتروني. مع ضرورة جعل المواطن يتعود على التأقلم مع هذا التحول الخدماتي، ليغير نمط علاقته مع الإدارة. فهل هذا التحول ممكن، أم نحن كائنات ورقية إذا استعرنا العبارة من الناقد الفرنسي رولان بارط (على الرغم من أن بارط يتحدث عن السارد والشخصية الورقية في مجال السرديات)؟ أكيد أن هذا التحول ليس من باب المستحيل، لكنه من الممكنات التي ستساهم في التنمية المستدامة للمواطن والوطن على السواء.