بقلم: سعيد بوعيطة
ارتبطت كلمة عرس اليوم، بمجموعة من المناسبات المختلفة. فنتحدث عن العرس الثقافي، والعرس الرياضي، والعرس السياسي… الخ. بحيث تختلف التقاليد والعادات والمراسيم من بلد لآخر. إذ لكل بلد تفاصيل عرسه، ومميزاته. ويبقى العرس السياسي، من أبرز الأعراس. لما يعرفه من مظاهر وملابسات، وخبايا لا يفقهها (وقد لا يفقهها احيانا) إلا الراسخون في التاريخ والعلاقات الدولية والسياسة (الداخلية منها والخارجية). وما تنطوي عليه من مصالح بمختلف أنواعها.
عرس الرئيس
أقام رئيس دول عربية بداية الشهر الحالي، عرسه الرئاسي الثاني. بعد أن كان الفضل في عرسه الأول لقائد أركان بلده الراحل (رحمه الله)، الذي كانت شوكته في تصاعد أمام الرئيس السابق الراحل (رحمه الله)، الرئيس العليل والغائب عن المشهد بشكل متزايد. وعلى إثر فشل مشروع العهدة الخامسة للرئيس الراحل الذي أصبح في أرذل العمر رحمه الله، بسبب معارضة الشارع في الفترة الممتدة ما بين فبراير /شباط ومارس/آذار 2019، فُتحت طريق السلطة أمام اللواء الراحل الذي عين الرئيس الحالي كمرشحه للرئاسة. وبعد أقل من شهر من انتخابه الشاق والعسير والقيصري، رحل حامي الرئيس على إثر جلطة مفاجئة، فوجد الرئيس الجديد نفسه معزولاً، محاطاً بقائد أركان جديد. وتم القضاء على أتباع القائد السابق. حيث ذهب أغلبهم ضحية عملية تطهير قاسية لم تستثن لا المدنيين ولا العسكريين. فبقي الرئيس باعتباره أحد الناجين القلائل.
وعلى الرغم من أن الرئيس قد وعد بالتغيير، وببلاد جديدة، فإن النفط والغاز بقي الثدي الرئيسي الذي يمتص منه ويلقمه لم يدور في فلكه. نظرا (حسب أغلب المحللين) لعدم كفاءة الرئيس، والتي لا تساعد في شيء. أما عرسه الثاني، فقد جاء في ظل نظام عسكري صار باديا للعيان بشكل جلي، يعرفه الداني والقاصي، وعلى عينيك ابن عدي. حيث سيطرت الجنرالات على كل من الرئاسة، ومصالح المخابرات والأمن، ولم يعد التوازن بين المؤسسات الثلاث موجوداً كما كان في السابق. حتى صار المدنيون اليوم، يعملون تحت الوصاية، والرقابة الصارمة للعسكر. وبما أن المسؤولين في مختلف القطاعات، ينحدرون جميعاً من الإدارة، فإنهم يفتقرون إلى رؤية واضحة، وتصور إيجابي لمستقبل مختلف قطاعات البلاد، فإن ذلك جعلهم يعيشون حاضرهم فقط. أما الغد/المستقبل ففي كف عفريت. الخوف المستمر من إثارة غضب العقداء الذين يراقبونهم ليل نهار. لهذا، لم يعد الرأي العام الوطني (المواطن) يكترث بمن سيكون هذا العريس/الرئيس أو ذاك. لأنهم على وعي بأنهم يعيشون (وسيعيشون) في الثكنة التي أشار إليها الكاتب الجزائري سمير قسيمي في روايته الساخرة ”الحماقة كما لم يروها أحد، المثقلة بهموم هذا الواقع، ويتقاطع فيها البعد السياسي والاجتماعي. مما جعل الرواية تقترب من الكوميديا السوداء، بطلها الحماقة والعبث. لهذا، فإن مؤشرات كثيرة تشير إلى أن هذا العريس المنتهية ولايته، ستحمله عمارية العسكر إلى المرادية في احتفالية لا نظير لها (بلغت نسبتها 94.65 في المائة). لأن العمارية ونكافة العرس، مملوكة لمؤسسة العسكر وما ارتبط بها.
عرس الرئيس وعمارية العسكر
خضعت مراسيم وملابسات عرس الرئيس لمنطق السلطة الممثَّلة في القيادة العليا للعسكر. تقدّم هذه الأخيرة مرشحها وحوله عدد قليل من الأصوات الأخرى من أجل زيادة ديكور العرس وتجميل الإحتفال. لكن على الرغم من هذا التمويه البارز، فالجميع على علم (بما فيهم مواطنيه) بأن هذا العريس هو من سيعتلي عمارية العسكر، منذ الدور الأول، بنسبة عالية وبفارق ساحق عن ما يسمى منافسة. فعلى الرغم من أن الرئيس قد وجد نفسه في هذه الانتخابات أمام منافسين اثنين فقط، تم قبول ملفيهما من أصل 16 سياسيا كانوا قد تقدموا بطلب الترشح، فإن حظوظ كبيرة للعريس الذي دخل الانتخابات كمرشح مستقل للمرة الثانية بعد عام 2019 فقط. إذ حاز دعم ما يعرف بـ”أحزاب الموالاة”، وهي جبهة التحرير الوطني ( صاحب أكبر مقاعد في مجلس الشعب بـ98 مقعدا)، التجمع الوطني الديمقراطي، حركة البناء الوطني وجبهة المستقبل. حيث أعلنت بشكل صريح دعمها للرئيس لولاية ثانية. خاصة حين أسست، قبل الانتخابات بشهور، تحالفا سياسيا بـهدف تحقيق إجماع وطني وبناء جزائر قوية، لكن التحالف لم يستمر. كما حصل العريس/ الرئيس على دعم مؤسسة الجيش ذات النفوذ القوي في البلاد. فقد سبق أن كان لها دور كبير في دعمه للوصول إلى منصب الرئاسة عام 2019 في عهد رئيس الأركان الراحل، كما تميزت علاقته مع رئيس الأركان الحالي، بكثير من الاستقرار. لأن هناك إشارات متعددة إلى أن مؤسسة الجيش تراه مناسبا للاستمرار، خصوصا بعد إشادة مجلة الجيش (بداية العام الحالي)، بخصوص الإنجازات التي تجسدت لحد الآن، وصواب نهج الرئيس الإصلاحي البادي للعيان.
إني معكم من المنتظرين
ألم أقل لكم أيها في المادة السابقة (ذاكرة السمكة/ مادة الخامس من سبتمبر 2024)، أن المواطن العربي له ذاكرة السمكة، وأن المسؤول له ذاكرة الجمل. فإذا كان هم هذا العريس وصاحب عماريته الحفاظ على ثدي الغاز والبترول (البزولة) الخاصة بهم، والمحرمة على غيرهم قانونا وشرعا، فالمواطن مغلوب على أمره. لأن العين بصيرة واليد قصيرة كمال يقول المثل الشعبي (وعلى الرغم من اختلاف السياقات هنا، فالمعنى واحد). لهذا نقول لهذا المواطن، كان الله في عونك. لأنك ستبقى على حالك في انتظار العرس المقبل (الثالث). لاختيار العريس وصاحب العمارية/ النكافة. فانتظروا إني معكم من المنتظرين.