عين أحمد موسى على طهران.. لماذا يفضل المحافظون الإيرانيون الحرب على أشكال أخرى من الانتقام؟

بقلم: د. أحمد موسى*

 

بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران ذهب بعض المحللين إلى أن هذه التصفية تمت بتنسيق إسرائيلي أمريكي، بل إن الكثير من خطباء الجمعة بإيران، الذين لا يفقهون في السياسة الخارجية، وبعض الوجوه البارزة من التيار الأصولي أيدوا هذا الطرح وكالوا الاتهامات لأمريكا وإسرائيل على حد سواء.

هذا في الوقت الذي برأت وسائل الإعلام الأمريكية إدارة بايدن من تورطها في هذه العملية، وذكرت أن هذه الأخيرة تعتقد أن هذا الاستهداف سوف يعرقل مفاوضات وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع ومن شأنه تشديد التوتر بين بايدن ونتنياهو. لا شك أن التيار الأصولي في إيران الذي يعلم أن الإدارة الأمريكية التي تمارس ضغوطًا على نتنياهو لقبول وقف إطلاق النار لا يمكنها أن توافق على اغتيال هنية، لكن إطلاق هذه الاتهامات ضد أمريكا بشكل علني يجلب مكاسب سياسية لصالح هذا الجناح ويحقق أهدافه، التي يأتي على رأسها عرقلة أي مساع في سبيل تحسين العلاقات بين إيران وأمريكا في عهد رئاسة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

وقد بات تحقيق هذا المبتغى للمحافظين أمرًا حياتيًا بعد وصول رئيس معتدل، وقريب إلى التيار الإصلاحي إلى سدة الحكم، وأيضًا في ظل معطيات السباق نحو البيت الأبيض. ولئن كان المحافظون في إيران قبل تنحي بايدن عن المنافسة في الانتخابات الأمريكية القادمة يتوقعون وصول ترامب إلى البيت الأبيض، لكن مع انسحاب بايدن وترشح كامالا هاريس بات هؤلاء على قناعة بأن حظوظ ترامب للفور في الانتخابات تضاءلت عما كانت عليه من قبل.

إذا نجح ترامب في الانتخابات فلن يكون المحافظون بحاجة إلى إشعال فتيل داخلي لضرب العلاقات الإيرانية الأمريكية، لأن ترامب هو من سيقوم بذلك بنفسه. ولكن بالنظر لتوقعات التيار المحافظ الإيراني وترشيحه لوصول هاريس إلى البيت الأبيض، فإن هذا التيار يفضل عدم الانتظار واستثمار حادثة اغتيال هنية واستغلالها في توتير أي فرص للتلاقي بين إيران وأمريكا.

وفي هذا السياق يمكن فهم إصرار الأصوليين على ضرورة تنفيذ هجوم على القواعد الأمريكية إلى جانب الهجوم على إسرائيل، لأن اندلاع الحرب هو السبيل الوحيد لتحقيق برنامجهم السياسي واسترجاع السلطة التي سلبت منهم في الانتخابات الأخيرة.

أيضًا من أهداف هذا التيار تحويل بزشكيان من رئيس إصلاحي-معتدل إلى رئيس محافظ. وفي هذا الإطار فإنهم يسعون إلى جعل حكومة بزشكيان نسخة ثانية من حكومة إبراهيم رئيسي وليس نسخة ثالثة من حكومة محمد خاتمي. هذا دون أن نتناسى أهدافهم الأخرى المتمثلة في الحيلولة دون رفع العقوبات الاقتصادية وتكريس انسداد الأفق السياسي والاجتماعي في البلاد.

لذلك يتعين الانتظار لحين فوز هاريس لعل حكومتها المحتملة تنجح في إقامة توافقات. لكن، على ما يبدو، فإن المتشددين من التيار الأصولي في إيران يريدون توريط إيران في حرب مع إسرائيل وأمريكا حتى قبل وصول هاريس إلى البيت الأبيض لقراءة الفاتحة على أي فرص للتهدئة والاستقرار.

*أستاذ اللغة الفارسية والأدب المقارن، مترجم ومختص بالشؤون الإيرانية