ترى ماذا هو فاعل، بعد الإعلان عن “دولة القبائل” في الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل سيعلن الحرب على الرئيس بايدن وحكومته؟ أو على السلطات الولائية في نيويورك، التي سمحت بالإعلان عن الدولة المستقلة؟ أو على فرنسا التي تستقبل حكومة “الماك” فوق ترابها؟
ليس هناك من نظام أبلد من ذا الذي يتولى الحكم في الجزائر؟ نظام لا يدرك من السياسة والاستراتيجية إلا إهدار مصالح شعبه وبلاده. نظام يعلم أن بلاده الوحيدة، التي بقيت حدودها شاسعة في إفريقيا، ومهددة فيها، اليوم قبل الغد، بعد الذي جرى للسودان في العقدين الأخيرين. ونظام يعلم أن داخل شساعة هذه الأرض، التي يسيطر عليها العسكر بالنار والحديد، أكثر من قنبلة قابلة للانفجار. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن بلادته، تلك التي لا يقف في وجهها حد أو سد، والتي يؤججها إحساس مبالغ فيه بالذات العسكرتارية، متضخم تضخم الذات “الثورية” الوهمية، تصور له أن ينتحر بتزعم حركات الانفصال في القارة الإفريقية، بادعاء دعم الشعوب في تقرير مصائرها.
ها هي جمهورية القبائل تعلن عن نفسها من قلب الولايات المتحدة الأمريكية، وليس من الجار “العدو” المغرب، كما لم يحصل منه ذلك أبدا في التاريخ، على الرغم مما عاناه المغاربة ويعانونه من احتضان أشقائهم لحركة البوليساريو المسلحة. فماذا أنت فاعل، اليوم، أيها النظام الجزائري، أمام هذا الإعلان، أو بالأحرى الزلزال؟ الجواب عندي “غاية” كما يقول أصدقاؤنا الجزائريون، أقصد في غاية البساطة. فإذا كان – هذا النظام- جادا في دعاوى مساندة الشعوب في تقرير مصيرها، فها هم القبائليون ينتظرون منه الاعتراف بتقرير مصيرهم بالمثل. وللإشارة والإفادة، فإن كان هناك شعبان أكثر استحقاقا لتقرير المصير، في هذا العالم، فهما شعبا القبائل والطوارق. وإذا كانت هناك دولة أكثر طروءا في وجودها، بحدودها المتضخمة غير الطبيعية، من بين الأغلبية الساحقة من دول العالم، فهي دولة الجزائر؟ وإذا كانت هناك دولة أكثر احتضانا للأقليات الكبرى المتمايزة، عرقيا وثقافيا وجغرافيا، فهي الجزائر ذاتها.
ومع ذلك، وبدلا من أن يستثمر النظام، ما بقي لديه من ذكاء، في اختيار أفضل “الوصفات الديمقراطية”، التي انتهى إليها العقل السياسي والحقوقي الإنساني، للحفاظ على وحدة شعوبه وأراضيه، فإنه يتمادى في معاكسة الشعوب الأخرى في الحفاظ على وحدة أراضيها.
مجرد خارطة على أقمصة لاعبي فريق مغربي، في مباراة لكرة القدم، أقامت الدنيا ولم تقعدها، في العاصمة الجزائر، مع أنها لم تمس حدود الجارة في شيء. فماذا هو صانع مع من يستضيفون أعضاء حكومة القبائل المستقلة الآن، وبالمباشر من قلب نيويورك؟
المخزن المغربي (كما يحب العسكر أن ينعتوا جارهم الغربي) يقترح على ساكنة الأقاليم الجنوبية الحكم الذاتي، للطي النهائي لملف الصحراء، ويستعد للذهاب في هذا الحكم إلى أبعد الحدود، باستثناء الوصول إلى الانفصال، فماذا يقترح على القبائليين، ومن بعدهم على الطوارق، النظام الجمهوري الشعبي الاشتراكي الديمقراطي؟
ليس هناك من نظام يضعف الديمقراطيين في الدول المغاربية، ومطالبهم في العدالة الاجتماعية، والتنمية الشاملة، وحقوق الإنسان، بقدر النظام الجزائري. وليس هناك من نظام يعطل وحدة الصف المغاربي، ومعه العربي والأفريقي، بقدر النظام الجزائري. وليس هناك من نظام يهيء للنظام الصهيوني منافذ الدخول الواسعة إلى أوطاننا، والعبث بأمننا القومي واستقرارنا الإقليمي، بقدر النظام الجزائري (ولست بهذا أبرر تطبيع بلادي مع دويلة الاحتلال). وليس هناك من نظام، مطروح على شرعيته أكثر من سؤال، يسير بشعبه ودولته إلى السقوط من حافة الجبل، بقدر النظام العسكري الجزائري نفسه.
ليكن في علم القاصي والداني، أننا لسنا من دعاة الهويات المتناحرة على حد تعبير أمين معلوف. في معتقدنا: الوطن يسع الجميع ، والمواطنية الحقة تكفل الحقوق للجميع. وبدلا من أن تتجه بوصلة النضال إلى هذا المنحى، يدفع النظام الجزائري الجميع إلى أن يخطؤوا الطريق، فيتجهون إلى منحى الاستثمار في الانفصال، الذي لن يوقر أي بلد، وبخاصة إذا كان نظامه مثل القائم بالشقيقة الجزائر. يؤلمني أن يستمر نظام المرادية في معاداته المرضية للمغرب، في الوقت الذي نرجو للجزائر، أرضا وشعبا، الاستمرار واحدة موحدة قوية، يقوى بها المغرب والعرب ودول الجنوب في العالم..
أخشى على الجزائر، ولذلك ليس بوسعي أن أكمل المثل المغربي: باش بغيت تقتل غادي….