
بقلم: ذ. امحمد طواع*

ما استوقفتني وأنا على مشارف مدخل قاعة المعرض، هي العبارة المرسومة على لافتة الإشهار، وهي: ” اهتزت وربت” وقد رافقتها عبارة مكتوبة بالفرنسية، التي ارتأيت أن أترجمها كما يلي:” لما تظهر البرية ماهيتها”
أفترض ضرورة الوقوف عند هاتين العبارتين، من أجل مقاربة ، ولو بشكل بصري، ما تلمح إليه الأعمال الفنية المعروضة في فضاأت قاعة العرض ، والتي أقول بالمناسبة بصددها أنها غير مضاءة بما يكفي في مجمل فضاأتها، .
افترض ذلك لأنني اعتبر العبارتين هما بمتابة عتبة ولوج المعرض، ذلك أنهما يمثلان مفتاح ما هو معروض.
” اهتزت وربت” : السؤال الآن ما هذا الذي اهتز وربا، وإن كان بصيغة المؤنث؟ يتبين الأمر إذا ما ربطنا العبارتين السالفتين، من أجل ولوج السياق الميتافيزيقيء النظري، الذي يهمس خلف يد الفنان غزلاني، لما كانت تصارع المادة بمختلف عناصرها، محاولا تحرير الطريق للغة الوميض من أجل أن تظهر ما يمكن إظهاره بالتشكيل واللون
.
لما نقف على العبارتين: اهتزت وربت، ولما تظهر البرية ماهيتها ، يمكن تمثل النقطة التي تمثل مدار اهتمام “هذا الفنان، وهي” البرية.
ونعرف أن هذا الإسم مأخوذ من البر المخالف للبحر. وجمع هذه الكلمة هو البراري. وبالنظر لجمالها ورمزيتها، استعملت في كثير من الأعمال الشعرية، لإظهار جمال الطبيعة وشعريتها ومعناها القوي المليء بالأسرار ، والمفتوح على عالم المغامرة
اهتزت وربت، عبارة وردت في القرآن الكريم، لتفيد أن الأرض ما تفتأ تستعيد الحياة بعد فترات الجفاف أو التصحر. والسياق العام هو إحياء الأرض بالمطر، بحيث يتجلى الماء باعتباره مادة، لإخصاب التربة، وهو الماء باعتباره بذرة أصل الحياة. ذلك أنه لما يحصل ذلك، تهتز الأرض أي تتفتق وفق قوله: وإنك ترى الأرض خاشعة، فإذا أنزلنا عليها الماء، اهتزت وربت أو قوله وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج تهيج. والمعنى: اهتزت الأرض بعد سكون، بفعل بذرة الحياة أي الماء، وربت أي انتفخ ما في بطنها من بذور واستعدت للإنبات، وكشف علامات الحياة بمختلف الأنواع والألوان، ليظهره عالم البرية في أبهى صور الجمال و الشعرية.
أفترض أن الفنان غزلاني، هذا هو عالمه الميتافيزيقي – التأملي ، الذي يسكنه عالم البرية هو مسقط الرأس الرمزي ، الذي يسكن مخيال هذا الفنان، وينير بصيرة خياله. من هنا تستقبل لغة عمله الفني وميضها، من أجل أن يمنح الحرية لنداء الأرض الفياض بالتدلال والحكمة باللون المأخوذ من طين الأرض، وبعجن الطين ذاته، يريد هذا الفنان أن يفسح الطريق لغتنا الأرض، مثله في ذلك مثل الفلاح الذي يشق التلام، لتظهر الأرض ماهية حقيقتها التي تشي بالإبداع، مع فعل الاهتزاز، ليربو الفنن والجمال، أي يظهر ويحضر بلغة الوميض البلورية.
نرى إذن كيف يحظر صدى المقدس وكيمياء اللغة وشعرية البرية، خلف ما تسطره يد الفنان وتشكله، فيما هي تصارع المادة المأخوذة من الأرض، الحجر، الرخام، الطين، الخشب، باعتبارها عناصر لغة ينفتح مع وميضها. للفنان، أفق وطريق صوب ملاحقة نور الحقيقة، لتمكين كمية منه، الحضور والظهور، على سند العمل الفني.
من عالم الريف والعبرية إذن، يمنح الفنان غزلاني كمياء أعماله، فيما هو منهمم بمجاهيل الأرض، كما خبرها الفلاح – إنسان البرية. نعرف نوعية العلاقة لهذا الإنسان بالأرض. يرسم التلام بعد شي الأرض أو حرتها، وقلب التربة، تم يقوم بتمشيطها وتنقيتها من الشوائب، وكل ذلك يدخل في مجال العناية والمواكبة، التي يخص بهما الفلاح الأرض، لكي ييسر فعل الإنبات، لتهتز الأرض من جديد ويحصل الأنبعاث والفنن، وهي اقوى صورة للبعد الشعري الجمالي
لماهية طبيعة الأرض.
وهكذا يمكن أن نلاحظ من أين يستند الفنان ماهيته، أي من الطبيعة ، فكلاهما فنان. وكلمة فنان، صيغة للمبالغة، بحيث تعني كل من يكثر تفننه بأشكال مختلفة ومتعددة. لذلك يعتبر الفنن، واحد الفنون. بحيث نعتقد أن كل فنان شبيه بغصن شجرة، تتكاثر أفنانه وقت الإنبات.
والمعرض يسمح للزائر أن يستفيد، بأن يد غزلاني فننت باعتماد مواد الأرض، احجار، تراب، رخام، حديد، خشب، متخذا أياها عناصر لغة أونطولوجية، تتفتق وميضا، مشعا بشكل بلوري، فاتحة طريقا صوب مملكة النور واللامحدود.
★ المعرض يقام في رواق باب الرواح بالرباط من 01 إلى 15 أكتوبر 2025










