القابضون على خيط الريح

بقلم: المصطفى غزلاني

هم أناس يقيمون بين مكانين.. دائما ينتظرون التحقق! !

هم يعيشون بين الناس؛ يشترون، يستهلكون، ينامون، يفرحون، يغضبون…

هم هنا، هكذا تماما غير أنهم وكأنهم ليسوا هنا بالمرة. يعيشون في مكان آخر ليس عقارا؛ مكانا لا يراه الناس، هو مكانهم هم: مكان التحقق.. ولأن هذا المكان غالبا ما ينحسر فيه الوقت عن خطيته لتصير الأزمنة الثلاث بلا وظيفة، ويصبح لا مكانا أو هو المكان ال غير.

قال الصاحب: “حين تفشل السياسة تسقط الدولة وحين تفشل الثقافة تسقط الهوية”.  إيه يا ريدسوس أشكر لك هذا TEXTO البهي والقاطع.. كم هو مفزع هذا القول يا صاحبي. أما أنا فشعرت وكأنه وجب علّي منذ الأبد أن أشد على وطني بكل ما أملك من جنون. لكي يكبر الوطن ويزهر. هكذا، وجب على كل مسافر وكل مقيم وعلى كل أنثى وكل ذكر أن يدسه في أرهف جزء من ذاته لئلا تؤذيه الكائنات، زمنية كانت أو غيرها..

هؤلاء الناس يخبؤون الوطن مدمجا في القرص الفقري، هنا تماما في أولى فقرات العمود العنقي.. هنا، على مفصل الأعلى والأسفل، الأمام والخلف..

هم أناس يرتقون أديم الحضارة. يقبضون على خيط ريح من الأبد إلى الأزل.، في الظاهر الأمر لا يعني أحدا، بيدا أنه يعني العالم كله.

هم فنانون، في الفن الحق وحق الفن. لا يبحثون عما يساوي عملهم بل عما لا يساويه؛ أللا ثمن، أللا قيمة.. طبعا، لا يدرك بحثهم إلا من دخل المكان ال غير.

قدمت إلى بلاد سويسرا، بلغت مدينة بال/ بازل، دخلت متحف المدينة.. هنا في الساحة الأولى يستقبلني “أثرياء كاليس”- اللعنة يا رودان كيف صار لك العالم كله المكان ال غير؟ رأيت أغنياءك لأول مرة فشعرت وكأنك ما زلت تستريح من تعب يومك في الزاوية الأخرى من العمارة.. عفوا، وجب عليّ أن أرد التحية لهؤلاء السادة الأفاضل: سلام، سلام يا سادة،

أوسطاش دو سانت بيير

جون دو آيير

بيير دو ويسانت

جاكي دو ويسانت – أنتما أخوان أليس كذلك؟

أندريو دو آندريه

وأنت يا جون دو فيين..

أرأيتم، أيها السادة، أنا لم أُحيّ ملك إنجلترا.. إيثاركم أوسع من كل ملوك الأرض.. أخترتم الموت ليعيش شعبكم في كاليس، فكان أن صعدتم إلى أبدية العالم…معذرة، سأغادر الساحة وستمكثون أنتم ههنا تستقبلون أيام العالم ووجوهه وتصحبون رودان إلى هذا المكان ال غير.