بقلم: المصطفى غزلاني
النقصان – le manque – هو تلك الجزئية الفظيعة التي تداهمنا كلما اعتقدنا أننا سنشد على الاكتمال، على النشوة .. لنتفطن أن ما يبتلينا هو ذلك الجزء الناقص. ومهما كان الأمر بسيطا يصبح، فجأة، هو الأهم، هو العصي. لا بد أن تلك الخصاصة هي التي تجعل الفلاح يعيد حرث أرضه كل خريف، وتجعل النساء يعتنين بمساحيقهن قبل كل شيء وبعده، وتجعل المبدع كلما فرغ من عمل يشعر بلظى النقصان يحمله على معاودة الكرة.. لربما، لربما…
نجرب دفع الخصاصة بالاعتناء بأهلنا، باجتراح صداقات على قدر النقصان.. ويصير النقصان فراغا.
يقدم عامة الناس على مثل هذه التعديلات، لكن المبدع يدرك تماما أن الجزء الناقص هو ليس من طينة جغرافية الحياة بل بعض من شيء آخر، بطعم آخر، بإدراك آخر …هو ذاك الفلز المانع من أن نكون كما نشتهي، أين نشتهي وكيف نشتهي، أي كيف نكون بتمام الامتلاء.
ماذا يفعل التشكيلي والنقصان؟ أول ما يقوم به هو الخروج من جاذبية الحياة، من ثقلها، من حركتها، لربما يشد على حلمة السكينة. وقد يقف إزاء الحياة حتى يصفى البحث عن بدائل محتملة أي تلك الصيغ المهملة وتلك الطرق المنسية أو أن يحاول إزاحة العناكب عن زوايا العين.. ثم، ثم ما فتئ يدرك رويدا، رويدا أن لا شيء ينقص العالم.. أن العالم غامر دائما.
تصير كل حركات الكون تحت عينيه كأنها تقاسمه البحث عن الجزء الناقص. سر الطمأنينة ليس في متحولات العالم. ينتهي الفنان من إنجاز اللوحة، المنحوتة، النقيشة، الطبعة… يسكن لحظة وإذا بظمأ النقصان يعاود اللحاق به، فتشتغل الحواس بمعاودة درئ القلق؛ الناقص سر القلق.. القلق المبدع. من يدرك مَ جزؤه الناقص؟ طبعا، هناك من الطرق لمعرفة الأشياء ما تكمن في النظر إلى النقائض، فلننظر جهة الكمال. وإذن، فالجزء الناقص أ هو الحاجز أم هو المعبر إلى الكمال!؟ لكن، عن أي كمال يبحث المبدع؟ أكيد، ليس في ملء فراغات الأجمل أو الأقوى، أو الأغلى.. بل، في “أن يكون” في “أن يتحقق” دون شقاء.