بقلم: عبد الدين حمروش
هل يمكن قراءة مقترح المبعوث الأممي إستيفان ديميستورا قراءة إيجابية، باعتباره مقترحا من شأنه أن يصب في مصلحة المغرب؟ إن كانت هناك من إيجابيات، فإن شطب خيار الاستفتاء يأتي في مقدمتها. إضافة إلى ذلك، فالمقترح يقر بحقوق المغرب الترابية في الصحراء. حتى وإن جاء المقترح للفصل بين جهتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، على سبيل البحث عن تسوية مفترضة، إلا أن الواقع المغربي في الصحراء بات يمتنع عن أي تفكير (مجرد تفكير) في اقتسام الأقاليم الجنوبية.
من ڜان مقترح التقسيم الاستجابة لتطلع قيادة الانفصاليين إلى الحكم، على الرغم من ادعائهم رفضه ظاهريا. أما إذا نظرنا إلى المقترح، في علاقته بالساكنة الصحراوية، فإنه ـ حتماـ لا يستجيب لمصالحهم، وبخاصة المتمثلة في وحدتهم الترابية، والاجتماعية، والثقافية. لذلك، فالحل المتمثل في الحكم الذاتي يبقى الخيار الأفضل، باعتباره الأقرب إلى الواقع، والأكثر مقبولية.
وإذا كان خيار الاستفتاء قد مسح من على طاولة الأمم المتحدة، منذ سنوات، فما الذي تبقى بالفعل؟ في الواقع، لم يتبق إلا الحكم الذاتي، باعتباره خيارا وسطيا، يصب في مصلحة الجميع: الاستقلال الذاتي للساكنة الصحراوية، والسيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية.
ولأن الأمر بات كذلك منذ مدة طويلة نسبيا، بعد أن أشيد بالحكم الذاتي من قبل جميع المؤسسات الأممية، ومن قبل أكثر من مائة دولة في العالم، فلماذا خرج ديميستورا بمقترح التقسيم فجأة؟ ها هنا، تتجلى إحدى أكبر سلبيات المقترح. الدينامية القوية، التي شهدتها قضية الصحراء لصالح المغرب، يراد لمقترح التقسيم الالتفاف عليها اليوم.
في مقترح المبعوث الأممي، لم تكن هناك فرصة لتسوية، بقدر ما كانت فرصة لترضية. والترضية كانت باتجاهين:
– قيادة الانفصاليين من جهة، بالنظر إلى ما يمكن أن يوفر لها “التقسيم” من مجال لخلق كيان للحكم، ولو أنه غير ممكن واقعيا لاعتبارات كثيرة؛
– وجنرالات الجزائر من جهة ثانية، على سبيل إنقاذ ماء وجههم، (تبرير ما بذلوه من موارد مالية، وجهود ديبلوماسية) وبالمقابل توقع انخراطهم الإيجابي في حلحلة الوضع القائم للقضية.
–
هكذا، استنفذت جميع الخيارات. وحسبنا أن تجديد الحديث عن التقسيم، بعد أن كان قد أقبر في المهد، يوم أن طرح من قبل المبعوث السابق جيمس بيكر، إنما جاء على سبيل عرض المعروض، وتخطيه في الوقت نفسه. إذا لم تكن هناك إمكانية عملية لإجراء الاستفتاء، وإذا لم تكن هناك فرصة واقعية للتقسيم، فإن لا مندوحة عن اعتماد الحكم الذاتي، باعتباره تسوية متوازنة (لا غالب فيها ولا مغلوب).
ولعل ما يؤكد قراءتنا هاته، هو استعجال ديميستورا لمعرفة تفاصيل خيار الحكم الذاتي. فهل نرى تفاصيله قريبا، على سبيل إثبات جديته ومرونته، في ما يتعلق بتفويض الساكنة الصحراوية تسيير شؤونها الذاتية بنفسها؟ وهل نراه وقد أصبح موضوع نقاش بين المغرب والبوليساريو: الموضوع الوحيد على الطاولة؟