تبون وادعاء المبدئية في قضية الصحراء المغربية (بقلم د. عبد الدين حمروش)

قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، خلال اشرافه على أفتتاح لقاء الحكومة مع الولاة، امس السبت، في قصر الامم بنادي الصنوبر، ان الجزائر مبدئية في موقفها الخاص بقضية الصحراء. بالطبع، كان يمكن ان يكون لمبدئية تبون قسط من المصداقية، لو كانت الدولة الجزائرية، بنظامها العسكري القائم، بعيدة عن الاحتكاك بالمغرب، سياسة وجغرافيا ومصالح. والحال ان دولة لا تترك فرصة دون ان تحاول الايقاع بجارها الغربي، في العلن والخفاء، عبر التدليس والتامر وشراء الذمم.. دولة مهووسة بهذا الجار، لحد الإصرار على ضرب مصالحه في كل مجال، ولحد سرقة تراثه وتاريخه، في محاولة لادعاء افضليتها عليه، حتى في “تفوق الشكشوكة الجزائرية على الطاجين المغربي”.

لو كانت تصدر دولة العسكر عن مواقف، فيها قليل من العقلانية والموضوعية والتوازن، لتفهمنا حديث تبون عن مبدئيته المزعومة. اما وان الجار الشرقي ينام ويستفيق مهووسا بجاره الغربي، وكأن العمل السياسي والعقيدة العسكرية، اقتصرا على معاركة المغرب، في نوع من الصراع المرضي الأبدي، الذي لن يجد سقفا له الا بالرغبة في تدمير المنافس المغربي (الجار الجغرافي والحضاري الشقيق: العربي- الامازيغي، المسلم، الخ). بدل التعاون والتكامل والتعايش، لا يفوت هذا الجار فرصة الا ليدع الإحساس، بالحاجة الى تدمير الجار القريب، يسيطر عليه. ضد كل ما هو مغربي، هناك ثلاث استراتيجيات، في عرف العسكر الجزائري، يلجأ اليها لمعاكسة المغرب: الاستنساخ والتقليد، او الادعاء والسرقة، او العدوان السافر.

 

 

 

لنعد الى مبدئية تبون، ولنحاول فحصها عبر قياسها على اساسين، بالاستناد الى طرح السؤالين الاتيين:
– اولا، هل مبدئية تبون، بالنسبة لقضية الصحراء، عامة ام انتقايية؟ للتأكد من ذلك، تبدو العودة الى مراجعة مواقف الجزائر، في ما يخص قضايا عديدة، إقليمية وعالمية، من قبيل ازمتي الروهينغا والايغور و مسلمي كوسوفو وسبتة و مليلية، كافية للحكم على حقيقة المبدئية المنتقاة والمزعومة. ولعل خير مثال، من حيث الجلاء والوضوح، هو الموقف الجزائري السلبي الأخير من حرب بوتين على أوكرانيا. مهما كانت مزاعم الروس، في ما يتعلق بحقوقهم التاريخية في التراب الاوكراني، ومهما كانت حججهم الاستراتيجية لإيقاف تمدد الناتو، فان السكوت على اندلاع الحرب، بل ومساعدة الة الحرب الروسية بالمال، عبر شراء الأسلحة من بوتين بالمليارات، وما ينتج عن ذلك من اطالة للحرب، واطالة للازمة في العالم، لأمر فظيع بالنسبةِ لنظام يدعي انه مبدئي، مناصر لحقوق الشعوب في الحرية والاستقلال؛

ثانيا- هل من المبدئية، في شيء، ان تناصب جزائر تبون العداء للمغرب، بهذا الحجم الذي لا تراعى فيه لا جورة، ولا اخوة، ولا تاريخ، ولا مصالح مشتركة؟ لنفترض ان مبدئية جزائر تبون خالصة، تماشيا مع مبادئ الثورة كما يدعي العسكر الحاكم، فهل من المقبول ان يصل الامر إلى حد تزويد الجبهة الانفصالية بالمال والسلاح والأرض، لمهاجمة الجيران المغاربة، في سعي لجلب الموت الى جنودهم؟

لا احد ينازع الجزائر في موقفها “المبدئي”، من قضية الصحراء، كما يحلو ان تعبر مدعية. وللاشارة، فإنها ليست الوحيدة في ذلك، مادامت هناك بعض الدول تقف مساندة للطرح الانفصالي. المشكلة، بل الاشكالية، ان تمنح الدولة الجارة المال والسلاح والارض والديبلوماسية، لضرب مصالح المغرب، وبخاصة في ما يعتقده المغاربة أنه من صميم سيادتهم الترابية.

ان الجزائر تضع نفسها في موقف العدو، وليس المنافس، او المختلف في وجهة النظر من “قضية ترابية” معينة. ومع ذلك، فكم تبدي السلطات المغربية من حكمة واتزان وهدوء، حين لا تندفع قواتها -وهي قادرة لو شاءت- الى معاقل البوليزاريو في الجزائر، لضربها ودكها دكا. المبدأ، ان النار تواجه بالنار، حتى من المكان الذي تنطلق منه جحافل العدو.

ثم ماذا لو تركت الجزائر “المبدئية” الامم المتحدة تجد حلا للنزاع المفتعل بطريقتها الخاصة؟ لماذا تقحم نفسها بهذه الطريقة الفاضحة، عسكريا وماليا وديبلوماسيا، ثم تدعي انها ليست طرفا في النزاع؟

الاجابة عن السؤالين المطروحين، اضافة الى أسئلة اخرى وليدة، كافية لنسف المبدئية المفترى عليها، لدى عسكر الجزائر، الذي ما انفك يهدر ثروات شعبه في قضية، يعرف انه لن ينجح فيها ابدا، مادام هناك شعب اخر شقيق موحد، بعقيدة ترابية وحدوية ثابتة.