قمة الجزائر و مواقف الملك محمد السادس من العمل العربي المشترك: ديبلوماسية واقعية و قرارات صارمة تعكس الرؤية الملكية المستدامة لشراكة عربية مندمجة

الكولياتور: البراق شادي عبد السلام

من المرتقب أن تحتضن الجزائر العاصمة في الفاتح من نوفمبر الدورة 31 لإجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة، في ظل ظروف عربية و إقليمية و دولية يطبعها التوتر و الإستقطاب الحاد بين القوى العالمية الفاعلة و المحاور الجيوسياسية الدولية و الإقليمية و تباين المواقف العربية حول مجموعة من الملفات أبرزها الأزمة في اليمن ومسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وكذا تطورات القضية الفلسطينية و إعادة العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل نتيجة إتفاقات السلام الإبراهيمي ، وأزمة ليبيا و الوضع العسكري في منطقة الساحل الإفريقي و مكافحة الإرهاب و تمدد الفكر المتطرف و الجماعات المتطرفة و بحث التدخلات الإيرانية في الأمن القومي لمجموعة من الدول بدعمها المباشر للميليشيات و المرتزقة في محاولة لفرض أجنداتها الإقليمية خدمة لطموحاتها النووية و مشروع ولاية الفقيه الإقليمي .

بالإضافة لملفات مرتبطة بالتعاون العربي لمواجهة تداعيات جائحة كورونا إقتصاديا وإجتماعيا و ملفات مرتبطة بالبيئة و المناخ كما من المنتظر أن يكون موضوع إصلاح الجامعة العربية على طاولة المحادثات بإعتبارها منظمة إقليمية يسبق وجودها الأمم المتحدة وتفعيل دور ومستوى أداء المنظمات والأجهزة الفرعية للجامعة، ودعمها ماليا بما يضمن قدرتها على القيام بدورها كمنظمة إقليمية فاعلة في دعم المسار التنموي للشعوب العربية وحل الخلافات وتسوية المنازعات العربية / العريية .

مشاركة المملكة المغربية في هذه القمة ضرورة إستراتيجية عربية بإعتبارها فاعلا أساسيا في الأمن الإقليمي و الدولي و تؤكد أهمية البعد العربي في العلاقات الخارجية المغربية كجزء أساسي من الإستراتيجية الديبلوماسية للعاصمة الرباط خاصة في شق التعاون الإقليمي و الدولي المتعدد الأطراف .

▪️القمم العربية بالمغرب ..الحسن الثاني رائد العمل العربي المشترك و مهندس القرارات المصيرية :
حرص الراحل الحسن الثاني على الإهتمام الشديد بالقضايا العربية حيث كان حضوره دائما و متميزا في كل القمم العربية فعلى مدار خمس و عشرين سنة إستضافت المملكة المغربية سبع قمم عربية؛ ثلاثاً في الدار البيضاء (1965، 1985، 1989)، واثنتين في الرباط (1969، 1974)، واثنتين في فاس (1981، 1982)، و الملاحظ أن جل القمم التي إحتضنها المغرب أصدرت قرارات ومواقف مصيرية و جد مؤثرة و مفصلية في القضايا العربية المشتركة كالإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني و دعم التعاون العربي المشترك و السعي لحل الخلافات العربية / العربية خاصة بعد توقيع مصر لإتفاقية السلام مع إسرائيل 1978 و الإنقسامات الحادة التي عرفها العالم العربي بين معسكر الإعتدال العربي وجبهة الصمود و التصدي .

بإستعراضنا السريع لمخرجات هذه المؤتمرات نجد أن الراحل الحسن الثاني بعبقريته الديبلوماسية كان رائدا للعمل العربي المشترك و مؤمنا بالإنفتاح على البعد العربي للمملكة المغربية بإعتباره جزءا من الهوية المغربية الجامعة و كجزء أساسي من الأمن القومي العربي في زمن الإستقطاب الإيديولوجي بين المعسكر الشرقي و الغربي حيث كان الإصطفاف العربي للمغرب جزءا من سياسة الحياد و عدم الإنحياز التي كانت خيارا إستراتيجيا للمغرب حفاظا على إستقلالية قراره السيادي .

▪️ مواقف جلالة الملك محمد السادس من العمل العربي المشترك، ديبلوماسية واقعية و قرارات صارمة تعكس الرؤية المستدامة لشراكة عربية مندمجة :
ما يميز مواقف جلالة الملك محمد السادس من العمل العربي المشترك هو دعوته الدائمة الصريحة و المسؤولة للعمل و التنسيق وفق آليات محددة لتكون إجتماعات القمم العربية مدخلا إستراتيجيا لحل الإشكالات السياسية و الأمنية و التنموية التي يتخبط فيها العالم العربي من المحيط للخليج ، وعدم الإكتفاء بالبلاغات الإنشائية المفتقدة للواقعية و النجاعة التي تعكس تردي الوضع العربي .

في ذات السياق سبق للديوان الملكي أن أصدر بلاغاً عام 2009 يؤكد فيه عدم حضور الملك شخصياً في القمة العربية الاستثنائية بالدوحة و في القمة العربية الاقتصادية بالكويت، و لم يكتف بالتأكيد على عدم الحضور الشخصي في القمتين، بل عبر بصراحة على مجموعة من الاختلالات التي تطبع العمل العربي المشترك في إطار الجامعة العربية، والتي تجعل من عقد القمم العربية أمراً غير مُجدٍ، بلاغ جاء محملا بعبارات صارمة و قوية و صادقة و تشخيص دقيق و عميق للتردي العربي من قبيل أن ” مجرد طرح فكرة قمة عربية إستثنائية أصبح يثير صراعات ومزايدات تتحول أحيانا إلى خصومات بين البلدان العربية”، و” أن من المؤسف أن هذه الخلافات الجانبية تهمش القضايا المصيرية للأمة وفي صدارتها قضية فلسطين. كما أنها تحجب جوهر الصراع القائم في المنطقة وتصب في خدمة مصالح الأعداء الحقيقيين للأمة”، كما ” أن المغرب يرفض الخوض ” في تزكية منحى يعطي الانطباع ”بوجود جو مطبوع بمحاولات الاستفراد بزعامة العالم العربي، أو خلق محاور ومناطق إستقطاب”.

مع حرص البلاغ على التأكيد على مواقف المغرب الثابتة الداعمة للقضية الفلسطينية والتي تضعها في مصاف قضية الوحدة الترابية للمغرب بحسب لغة البلاغ، وهو توجه حرص لأول مرة على إبداء أسباب عدم المشاركة الشخصية للملك.
رؤية جلالة الملك المسؤولة للعمل العربي المشترك كرسها إعتذار المغرب عن إستضافة القمة السابعة والعشرين التي كان مزمعاً تنظيمها في مراكش قبل أسابيع من موعدها، وجاء في معرض تبرير الرباط ذلك الموقف من في القمة التي نقلت إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط في بلاغ قوي من وزارة الخارجية المغربية جاء فيه “إن اعتذار المملكة أملاه واجب التحليل الموضوعي المتجرّد للواقع العربي، وضرورة التنبيه إلى المخاطر الداخلية والخارجية التي تستهدف تقسيم البلدان العربية، وذلك حتى نستنهض الهمم لمواجهة تلكم المخططات، ولاسترجاع سلطة القرار، ولرسم معالم مستقبل يستجيب لطموحات شعوبنا في التنمية، ويليق بالمكانة الحضارية لأمتنا العربية”. وعليه، فإن المغرب “يتطلع إلى عقد قمة للصحوة العربية، ولتجديد العمل العربي المشترك والتضامني، باعتباره السبيل الوحيد لإعادة الأمل للشعوب العربية.

رؤية جلالة الملك محمد السادس للعلاقات البينية العربية العربية ظلت دائما إلى جانب تطلعات الشعوب العربية في الإستقرار و الإزدهار و العيش الكريم و العمل على تحديد إستراتيجية عربية موحدة للتعامل مع التحديات والمتغيرات العالمية خاصة و أننا على مشارف متغيرات دولية شاملة ستنتقل بالعالم إلى نظام عالمي جديد، مما يفرض على الشعوب العربية ، حتمية المواجهة المشتركة لتحديات مصيرية سياسيا واقتصاديا وأمنيا.

▪️ قمة الجزائر و الخطوط الحمراء المغربية :
المغرب يشارك في القمة العربية 31 بالعاصمة الجزائر في ظل تحديات ديبلوماسية متعددة و متداخلة و متشابكة مرتبطة بطبيعة المواقف الديبلوماسية المتطرفة و السياسة الإنفعالية التي طبعت أفعال البلد المستضيف ( النظام الجزائري) في حق المملكة المغربية و سيادة قرارها الوطني و وحدتها الترابية ، فالقمة العربية يتولى تدبيرها نظام يمارس الحقد المجاني و العداء البليد لبلد جار ، ذلك بإتخاذ قرارات مجانبة للصواب و تضرب في عمق العمل المغاربي و العربي المشترك كقطع العلاقات الديبلوماسية و إغلاق الحدود البرية و الجوية و التآمر على الوحدة الترابية للمغرب بإستضافة و تمويل و تسليح و تدريب ميليشيات إنفصالية تهدد الأمن القومي للمغرب و تعلن مواجهة وهمية ضد أسود القوات المسلحة الملكية المغربية في الأقاليم الجنوبية بهدف إشعال حرب إقليمية تهدد الأمن العالمي و العربي ،نظام يجيش الشعب الجزائري الشقيق لترسيخ العداوة مع الشعب المغربي بإستخدام حملات إعلامية موجهة بشكل مفضوح تستخدم التضليل و الكذب و الأخبار الزائفة و التهجم الإعلامي الدائم ضد المغرب و مصالحه .

ما يزيد من غموص الموقف السياسي للقمة هو تعثر الديبلوماسية الجزائرية لفرض أجندتها الخاصة في برنامج القمة حيث فشلت في إستدعاء ممثل النظام السوري ، و فشلت محاولة تغييب المغرب بموقف صارم عربي/خليجي هدد بالإنسحاب من القمة لمجرد طرح الفكرة للنقاش أو التداول في الأمر .

الجزائر تراهن على هذه القمة لتحقيق نصر خارجي بعد سلسلة من الهزائم الديبلوماسية نتيجة محاولتها لعب دور إقليمي في ملفات إفريقية و عربية ( سد النهضة – العلاقات التونسية / المغربية – المىف الليبي – العلاقات مع الإتحاد الأوروبي – التورط مع إيران ) و لتجاوز المأزق الداخلي لنظام شنقريحة و فشله في وضع تصور لبرنامج تنموي شامل للجزائر في ظل صعوبات إقتصادية و إجتماعية مما ينبئ بعودة الحراك الشعبي الجزائري إلى الشوارع .

و قد حدد المغرب من خلال مداخلة إستراتيجية للسيد ناصر بوريطة وزير الخارجية و التعاون ، في كلمة أمام مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته العادية الـ 158 رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس للشراكة العربية و الخطوط العريضة للموقف المغربي من القمة العربية المقبلة بالجزائر و مخرجاتها المنتظرة حيث أكد أن “ السياق الدولي والعربي يسائل القمة المقبلة لتنعقد على أساس الإلتزام بالمسؤولية، بعيدا عن أية حسابات ضيقة أو منطق متجاوز، وتوطيد الثقة اللازمة، والتقيد بالأدوار الخاصة بكل طرف” .

خطوط حمراء يضعها المغرب بثبات أمام كل من يحاول العبث ببرنامج و مقررات القمة العربية خاصة في البيان الختامي الذي ربما قد تحاول الجزائر التلاعب بمخرجاته خدمة لأجندتها البومدينية التوسعية و ذلك عبر مسارين إستراتيجين الديبلوماسية المغربية تعتبرهما خطوط حمراء لا يمكن الإقتراب منها :

▪️ الإلتزام بالموقف العربي التاريخي الرافض لمخططات التقسيم أو دعم الحركات الإنفصالية و التمسك بالوحدة الترابية للدول و الشعوب و هو الأمر الذي درجت عليه مختلف البيانات الختامية للقمم العربية و ذلك بالإعتماد على مخرجات مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته العادية الـ 157 الذي صادق على قرار اتخذته اللجنة الوزارية العربية الرباعية ( السعودية – مصر – الإمارات – البحرين و الأمبن العام للجامعة العربية ) المعنية بمتابعة تطورات الأزمة مع إيران وسبل التصدي لتدخلاتها فى الشؤون الداخلية للدول العربية.قرار يؤكد على التضامن العربي مع المغرب في مواجهة تدخلات النظام الإيراني وحليفه “حزب الله” في شؤونها الداخلية، خاصة ما يتعلق بتسليح وتدريب عناصر انفصالية تهدد وحدة المغرب الترابية وأمنه واستقراره. حيث أكدت اللجنة أن الممارسات الخطيرة والمرفوضة للنظام الإيراني تأتي استمرارا لنهجه المزعزع للأمن والاستقرار الإقليمي.

هذا القرار كانت نتيجة للمعطيات الدقيقة التي وفرتها العملية النوعية التي قامت بها المصالح الخارجية للمملكة عبر ثلاث مواقع حساسة في طهران و الضاحية الجنوبية في بيروت و السفارة الإيرانية بالجزائر تؤكد تورط إيران عبر الجزائر في محاولة لتسليح ميليشيا البوليساريو بأسلحة نوعية .

▪️الإلتزام بتوصيات الإجتماع الطارئ للجنة الوزارية العربية المكلفة بالتحرك الدولي لمواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس المحتلة الذي أكد على الدور الريادي لجلالة الملك محمد السادس بصفته رئيس لجنة القدس عبر وكالة بيت مال القدس الشريف، ، في دعم القدس و المقدسيين و الحفاظ على المقدسات الإسلامية و الدينية بها ، ودعم العمل المؤسساتي العربي والإسلامي نصرة للقضية الفلسطينة و دعم مخطط السلام في الشرق الأوسط .

المطلوب من القمة العربية المقبلة بالجزائر أن تتخذ مواقف مسؤولة قوية حاسمة شجاعة صادقة واعدة تليق بكرامة الشعوب العربية وتطلعاتها لتطوير العمل العربي المشترك و تقوية أجهزة الجامعة العربية ودورها وأدائها و نجاعتها و الحفاظ على الوحدة الترابية للدول العربية و ترسيخ قيم التعاون و التكافل و التضامن و هو ما أكد عليه السيد وزير الخارجية ناصر بوريطة في كلمة المملكة المغربية أمام مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته العادية الـ 158 بضرورة ” العمل على قراءة موضوعية لواقع العالم العربي، المشحون بشتى الخلافات والنزاعات البينية، والمخططات الخارجية والداخلية الهادفة الى التقسيم ودعم نزعات الانفصال وإشعال الصراعات الحدودية والعرقية والطائفية والقبلية، واستنزاف المنطقة وتبديد ثرواتها”.