الملحون فن شعري موسيقي شامل لم يتطرق للمواضيع الدينية فحسب كما يعتقد العديد من الناس، أي لم يكتب شعراؤه في مواضيع المدح والذكر فقط، ولكن تطرق لجميع مناحي الحياة ومنها المرأة التي حضرت بشكل قوي روحا وموضوعا وكذلك جسدا وجنسا.
ذلك لأنهم التزموا بأن يجعلوا لكل مقام مقال، بل كان لديهم احترام المكان والمناسبة والموقف ضرورة قصوى فلا يمكن مثلا إنشاد قصيدة في المدح بحضور مخمر أو بتواجد الخمر، ولا يمكن أيضا بحال من الأحوال إنشاد قصيدة في المجون والخلاعة أمام تواجد العائلة واختلاط الأبناء بالآباء . لهذا جاءت أشعار الملحون بأغراض عدة كالربيعيات التي غنت في فصل الربيع وقصائد الذكر التي أنشدت بالمناسبات الدينية والروحية، أما قصائد الغزل والجنس فكانت تنشد خلسة بين الأصحاب والرفقة الشبابية.
والحقيقة أن هناك شعراء عرفوا بكتابة موضوعات المرأة والجنس لكن عند بلوغهم من العمر عتيا كانوا يتخلصون منها بحرقها أو عند وفاتهم يعمد أبناؤهم إلى طمسها أو درئها على القارئين ولا يقدمون إلا ما كتب من شعر في المدح والذكر والتصوف، كما وقع مع الشاعر بن عمر الملحوني الذي حسب ابنه الأستاذ الباحث عبد الرحمان الملحوني حفظه الله، قصد “الفران” وطلب من “الطراح” أن يحرق كل ما كتبه في فترة الشباب.
كما يعتبر الشاعر الكبير التهامي المدغري، حسب مراجعتي لقواميس موسوعة الملحون التي نعمل على إصدارها من أكاديمية المملكة المغربية تحث إشراف الأستاذ الدكتور عباس الجراري، أبرز شعراء الملحون جرأة في موضوع المرأة والجنس حيث تطرق إلى المسكوت عنه، وسمح لنفسه أن يتحدث عن الشبان والغلمان إضافة إلى التغزل بالمرأة، ففي قصيدة عشية الجمعة مثلا قال في حربتها أو لازمتها:
أنا عشية الجمعة شاب سباني =سلبتني عزبة وشابة= من شاهدهم ما سخا بشبابو.
وله أيضا قصيدة سيدي محمد التي قال في حربتها:
دام الله جمال صورتك يا شادي
آعنايتي ومرادي
يا غزيل يسبي من جا يصيدو
يازنجار في عين حاسدة
لغزال سيدي محمد
وربما كان هذا النوع من الأشعار الجريئة سببا من الأسباب التي دفعت إلى دفنه بعيدا عن الأعيان والشرفاء وحتى الأهالي بباب مسجد السماري بسيدي بونافع وهو باب يؤدي إلى مرحاض الوضوء، أي على كل من يريد العبور إلى المرحاض من أجل الوضوء للصلاة أن يطأ قبر “سي التهامي المدغري”. هذا الشاعر الكبير والمشهور الذي لم يكتب إلا في المرأة والغزل والمجون اللهم بعض القصائد القليلة جدا التي خرج فيها عن ذلك كقصيدة “مدح الشرفاء” و”عرس مولاي اسليمان” و”عيد عرش سيدي محمد بن عبد الرحمان” و”العود” المشهورة بحربتها:
سال عودي عن وعدي \ يبات يزتي\ ويظل مع اللجام مسكين يكدد.
وليس له إلا قصيدة دينية وحيدة وهي “مديح حبيب الرحمان” التي قال في حربتها:
هاج وجدي والشوق افناني = واقليبي حيران = في امديح احبيب الرحمان.
وقد غنى له المرحوم الحاج الحسين التولالي قصيدته الرائعة المشهورة “العين الحرشة قتالة ” وقصيدة الكناوي التي تغنى بها جل الشغوفين بالملحون والتي تقول حربتها:
آلايم حالي محاوري عنك ما يخفاوا
خدي في حالة وخد من نهواها راوي
وجنتها ناري وخالها مولاتي زهوة.
وغنت له مجموعة ناس الغيوان شهيرته “النحلة” التي يقول في حربتها:
صولي يا شامة الضريفة
وزهاي يا ولفي على الرضا
قطفي من الأزهار يا ترياق علاج كل ضر
بنت الملوك ليك همة وتمارة.
وقد بلغنا من قصائده حوالي 108 قصيدة كانت جلها تحمل أسماء تحوم حول المرأة والحب والمجون منها على سبيل المثال لا الحصر: هشومة\احليمة\طامو\الجلارة\خال وشامة\زهرة\اصفية\البتول\الخمارة\مسعودة خديجة\الورشان\…..
أما محمد بن سليمان الذي اعتبره قاسم الشابي الملحون نظرا لموته شابا في الثلاثينيات وعلى الأرجح مسموما لكونه كان ذا شعر قوي إلى درجة أنه قيل فيه المثل الذي يقول “اللهم شريب الشليمان ولا كلاو بنسليمان” إلا أننا لا يمكن الجزم في ذلك، لأن فاس عرفت في أواخر القرن 19 رجل سلطة “القايد بنسليمان” كان سليط اللسان.
المهم أن شاعرنا محمد بن سليمان تميز في شعره الذي خص منه 12 من 29 للحب العذري غابت فيها أسماء المرأة بشكل مباشر بل هي رموز تدل على الأخلاق والطهر كحجوبة وخدوج.