ماذا بعد الحرب على غزة؟

بقلم: عبد الدين حمروش

شعب يريد تحرير بلاده، وبالتالي نيل حريته، بينما آخرون يدعونه إلى الاستسلام، بداعي أن المقاومة لن تجلب إليه سوى القتل والخراب. هل يمكن أن يقدم هؤلاء، وبخاصة إن كانوا من بلدان أخرى، دروسا لشعب آخر، أرضه محتلة، وكرامته منتهكة؟

لقد جربوا مع الفلسطينيين جميع الوصفات والبروفات، ومنها دعوى جعل غزة سنغافورة الشرق الأوسط، إلا أن شعب الجبارين أبى عن الاستقلال بديلا. كما جربوا معهم جميع أشكال التعذيب والتشريد والقتل، إلا أنهم لم يضعفوا، ولم يهنوا، ولم يتزحزحوا عن مطلب الحرية قيد أنملة.

اليوم، بعد خمسة عشر شهرا من حرب الإبادة الجماعية، التي تواطأ فيها الغرب الأطلسي مع دولة الكيان الغاصب، وفي ظل انهيار عربي شامل، لم يرفع الفلسطينيون الراية البيضاء. ماذا بقي لإسرائيل لتستعمله، من أجل إخضاع الفلسطينيين؟ لم يشفع لها للوصول إلى أهدافها الإجرامية لا الحصار، ولا التجويع، ولا التعطيش، ولا التشريد، ولا القتل.

إذا كانت إسرائيل معدودة من القوى الاستيطانية الكبرى في التاريخ، بفعل ما ظلت تحظى به من مساعدات لا تنضب، من قبل لوبيات عسكرية واقتصادية وديبلوماسية دولية، إلا أنها لم تنجح في حرف بوصلة شعب أعزل عن الحرية والاستقلال. آخر ما أنتجته دولة الاحتلال، من حيث أقصى درجات التطرف والتصهين، هي حكومة نتانياهو الحالية. وعلى الرغم من “التغطية”، التي استفادت منها أمريكيا وأوروبيا، لممارسة كل أنواع الفتك والقتل، طيلة خمسة عشر شهرا، إلا أنها لم تجد نفسها إلا وقد أذعنت صاغرة لشروط الهدنة في الأخير.

لقد فشلت دولة الكيان في تحقيق جميع أهدافها المعلنة، من حرب الإبادة الجماعية المسلطة على الفلسطينيين، وفي مقدمتها التهجير. ولذلك، ينبغي أن يتوجه السؤال التالي إلى الإسرائيليين: لقد خبرتم إصرار شعب على نيل حريته، على الرغم من كل الأثمان التي أداها من دماء أبنائه، فماذا أنتم فاعلون مع مطالبه في دولة مستقلة؟ هل تنتظرون انقضاء أيام الهدنة، من أجل استئناف الحرب الهمجية، مع معرفتكم أنها لن تجلب إليكم السلم والأمان؟

لقد غير طوفان الأقصى جميع المعادلات في المنطقة. فإسرائيل، التي ادعت على العرب بقيمها الحضارية الزائفة، باتت سمعتها الحقوقية في الوحل. وحتى في الغرب، الذي كان مؤيدا للسردية الصهيونية، أضحى متفاجئا من الحقائق المنكشفئة أمامه، عن دولة احتلالية فاشية، اليوم. من المؤكد أن الفلسطينيين انتصروا بسرديتهم على الصهاينة في الأخير. كما من من المؤكد أن يشكل انتصار سرديتهم هذا الخطوة الأخيرة نحو التحرير النهائي.