الموسيقى والغناء في العهد الراشدي (بقلم الدكتور جمال الدين بنحدو)

في هذا العصر المسمى بالراشدي نظرا لتعاقب الحكم بين الخلفاء الراشدين، فإن النظرة للموسيقى والغناء عرفت اختلافا من خليفة لآخر، ورغم ما تميزت به بصفة عامة النظرة إلى الموسيقى والغناء من تراجع وتحريم فإنها أثبتت وجودها بشكل مسترسل:

عهد الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه : في العموم التزم بالحفاظ على العادات الإسلامية العربية التي سادت عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وانشغل بتصحيح الانفلات كالعودة عن تأدية الزكاة، أما الحادث الذي طرأ في عهده والمتمثل في قطع أيدي القينتين شجة الحضرمية وهند بنت يامين ونزع أسنانهما حتى لا تستطيعان الغناء فكان ذلك ليس لتحريم الغناء وإنما لتأديتهما نوعا غنائيا محرما من منظور العصر، حيث تغنتا بهجاء المسلمين رفقة المزمار.

عهد عمر بن الخطاب: تبعا لشخصيته القوية فقد طبع هذا العهد بالتشدد في كل شيء حتى في تطبيق العدالة فعرف المغن           والموسيقى تراجعا واضحا رغم ما حكي أن عمر بن الخطاب قد سمع إحدى القينات في بيت النبي كما أنه همته قشعريرة حين فكر في وجوب ترتيل القرآن بالأنغام المغنية ويقال إن ابنه عاصما كان شغوفا بالموسيقى – العام الثالث عشر للهجرة –.

عهد عثمان بن عفان 644م: تميز عهده بإطلالة المسلمين على موسيقى الشعوب المجاورة التي حاربها عمر بن الخطاب،        كالفرس فكان للأسرى الفضل في إدخال العديد من الفنون والمدنيات الفارسية واليونانية.

علي بن أبي طالب: عرف عهده برعاية مطلقة للأدب والفنون بصفة عامة حيث درس الغناء مع العلوم والآداب وظهر في عهده     نوع جديد من الغناء المسمى بالمتقن وكأن محترفي الموسيقى في بادئ الأمر في الموالي الطبقة الخادمة والرقيق أما الأنواع الغنائية التي انتشرت في هذا العصر وبعده.
الركباني: غناء النصب وهو يقال إنه مباح.
الغناء المخنث: وهو غناء الرجال المتشبهين بالنساء والذين يضعون في أيديهم الحناء ويتبنون العادات النسائية.
الغناء المتقن: إيقاعه مستقل عن عروض الشعر.
الغناء الموقع: اشتهرت به عزة الميلاء.

أما الإيقاعات التي عرفت في هذا العصر فهي الهزج – السناد الثقيل الهزج الخفيف.
الآلات الوترية : المعزف أو المعزفة – المزمر – العود ذو الصدر الخشبي – الطنبور المنبك.
آلات النفخ: القصابة أو الصبة – المزمار – البوق.
آلات الطرق: القضيب الدف المربع – الصنوج الصغيرة – الطبل.

أما عن السلم الموسيقي في عهد الخلفاء الراشدين فقد تضاءل حجمه لما لقيته الموسيقى من عدم رعاية، حيث كان السلم الموسيقى صغيرا ناقصا وحتى تأخذ عزيزي القارئ نظرة مقربة نستشهد بما في كتاب “معلم عود مغربي قديم” للمستشرق هنري جورج فارمر، حيث ذكر أن السلم الموسيقي في هذا العصر مكون من ديوان واحد مبني على أساس أوتار العود الأربعة والتي كانت تسمى : (ذيل- ماية- رمل- حسين) حيث كانت تستخرج من كل وتر ثلاث نغمات هي من منطلق الوتر ثم الأصبعين السبابة والبنصر وأضيف أنه ونظرا لخبرتي في الميدان، كانت الطريقة سببا في إنشاء نغمة تأصلت في وجدان العرب آنذاك وهي نغمة الراست والتي تستعمل بشكل مكثف في الأذان وفي الإنشاد والغناء الديني حتى الغناء العربي الدنيوي profan.

وكان يسوى العود بشكل عكسي عما يسوى به الآن بمعنى الوتر الحاد من أعلى والوتر الغليظ من أسفل. أما أهم الموسيقيين في عصر الخلفاء الراشدين طوميس – سانب خاثم – عزة الميلاء – حنين الحيرى ونشيط.