خطابات التنصيب الرئاسي: كلمات تُشكِّل ملامح التاريخ الأمريكي

بقلم: زكية لعروسي

منذ عام 1789، شكّلت خطابات التنصيب الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية محطات بارزة في مسيرة الأمة، تعكس تحديات كل عصر وطموحات القادة الذين يسعون لرسم ملامح المستقبل. من جيفرسون إلى بايدن، مرورا بلينكولن وروزفلت وكينيدي وأوباما، بقيت الكلمات التي تُلقى في تلك اللحظات محفورة في ذاكرة التاريخ، تحمل رؤى التغيير أو نداءات الوحدة.

ترامب: أمريكا في قلب العاصفة

خلال تنصيبه الأول عام 2017، رسم دونالد ترامب صورة قاتمة عن أمريكا. تحدث عن “أمهات وأطفال محاصرين في فقر الأحياء المهمشة”، وعن “مصانع مهجورة” و”جرائم متفشية”. وعد حينها بإعادة “العظمة” للبلاد، مثيرا انقساما بين مؤيديه ومنتقديه. ومع اقترابه من بداية ولاية جديدة، يترقب الجميع رؤيته المقبلة. هل سيواصل ترامب نبرته الصادمة، أم سيعيد صياغة خطابه بما يعكس تحولا في أولوياته؟ الأكيد أنه لن يتردد في ترك بصمة جديدة على الساحة السياسية.

جيفرسون ولينكولن: شعلة الأمل في الظلام

كان خطاب توماس جيفرسون عام 1801 نقطة تحول، حيث دعا إلى احترام حقوق الأقليات وأكد على ضرورة حماية الديمقراطية الناشئة من أي ظلم. بعد ستة عقود، وفي أعقاب الحرب الأهلية، خاطب أبراهام لينكولن الأمة خلال حفل تنصيبه الثاني عام 1865 بروح المصالحة، واصفا العبودية بأنها “إهانة لله” يجب أن تُكفَّر عنها. كلمات لينكولن كانت بمثابة بلسم على جراح أمة مزقتها الانقسامات.

الأزمات والإصلاحات: روزفلت وأوباما

في خضم الكساد الكبير عام 1929، قدّم فرانكلين روزفلت عام 1933 وعودا بالإصلاح من خلال برنامجه المعروف بـ”الصفقة الجديدة”، مهاجما بشدة ممارسات “صناع المال عديمي الضمير”. على خطاه، واجه باراك أوباما، أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية، تداعيات الأزمة المالية لعام 2008 بخطاب شدد فيه على أهمية العدالة الاقتصادية، مؤكدًا أن “ازدهار الأمة لا يمكن أن يدوم إذا كان يخدم قلة على حساب الأغلبية”.

كينيدي وبايدن: نداء الواجب والمسؤولية

عام 1961، وفي أوج الحرب الباردة، أطلق جون كينيدي دعوته الشهيرة: “لا تسأل عما يمكن لبلدك أن يفعله لك، بل اسأل عما يمكنك أن تفعله لبلدك.” بعد عقود، وفي مواجهة انقسامات داخلية غير مسبوقة، دعا جو بايدن في 2021 إلى وحدة الصف الوطني وإلى مواجهة “الأكاذيب التي تُقال لتحقيق السلطة والربح”، مؤكدا على ضرورة الالتزام بالدفاع عن الحقيقة.

على التوجيز، تمثل خطابات التنصيب مرآة للواقع الذي تعيشه الأمة، وتُبرز القيم التي يسعى الرؤساء لترسيخها. ومع استعداد دونالد ترامب لإلقاء خطابه الجديد، يظل السؤال الأكبر: هل سيحمل هذا الخطاب رؤية جديدة تقرب الصفوف أم سيعمق الانقسام؟ ما هو مؤكد أن كلمات هذا اليوم ستُخلَّد في تاريخ أمريكا، كما فعلت كلمات أسلافه من قبل.