الموسيقى قبل وأثناء العصر الجاهلي (بقلم د جمال الدين بنحدو)

لم يحدث قدوم الإسلام قطيعة بين الإنسان العربي بحكم المجال الجغرافي الذي انطلق منه الإسلام وبين جميع أنواع الفنون، فقد قبل بها المجتمع الإسلامي مادامت لا تخالف تعاليم الدين أو تحدث تغييرا كبيرا في الرؤية الأخلاقية العامة فٱستمر الشعر رغم النص القرآني الصريح “الشعراء يتبعهم الغاوون” واستمر النحت رغم تحطيم الحجارة الآلهة واستمرت الموسيقى كذلك.

أما ما عرفته الفترة الجاهلية من غناء وطرب فقد استمر ولو بوتيرة أقل، ومن الأنواع الغنائية التي كانت سائدة:
1ـ الحداء: الذي يسير على ارتفاع سير الإبل، فحسب كتاب “الأغاني” فالعربي مضر بن نزار بن معد هو من عرف بهذا النوع الغنائي، حيث ذكر الكتاب قصة سقوطه على بعيره وهو في أحد أسفاره فتكسرت يداه، وحين صاح يا يداه يا يداه وكان صوته حسنا استحسنت الإبل ذلك فاستمرت في المسير، فٱتخذته العرب قدوة وبداية الغناء الحداء ف ” يايداه يايداه” على وزن فاعلات فاعلات أي أنها ما يجر الرمل” ويايداه يايداه” مستفعلن مستفعلن أي هجز.

2ـ النصب: وهو نوع غنائي ينقسم إلى ثلاثة أقسام الركباني وهو من أحب الغناء لدى العرب على غرار الهجز. الثقيل والخفيف.

3 – النوح (المناحة) وهو غناء ينشد في المآسي.

4 – الفهيري عرف عند اليمنيين.

5 – المتصر: واتسم بالجذبة.

6 – التغير: وهو عبارة عن تهليلة التذكير يشبه إلى حد كبير الأذان المعروف.

نستنتج من كل هذا أن فترة ما قبل الجاهلية عرفت أنواعا متنوعة من الموسيقى والغناء والإنشاد رغم اتسامها بالبساطة حيث إن السلم الموسيقي لم يتعد خمسة أصوات أو خمس درجات صوتية. كما في الثلاثمائة سنة قبل الإسلام وهي الفترة التي حددها المؤرخون والأدباء للعصر الجاهلي، فقد عرفت حضارة ومعرفة شهد على ذلك ما خصته العرب للعلم من أسواق ومنتديات مثل سوق عكاظ. أما الموسيقى فقد حضرت بقوة في مجالس الملوك والأمراء وندوات الأدب والشعر، أما ما يعنيه أن “العصر الجاهلي” فقد عرفه مترجم دار المعارف الموسيقية اسكندر شلفون كلمة الجاهلية تعود إلى جهل العرب بتعاليم الإسلام.

ورغم اهتمام العرب الضعيف بالديانات، إلا أنه كانت لهم بعض الطقوس الإبراهيمية، ولكن العرب كانت لا تطوف بالبيت إلا وهي مستعملة الصفير والضرب بالأيدي على إيقاعات معينة وهي وسيلة قديمة للتقرب إلى الرب. أما ما ساد بشكل جلي من أنواع موسيقية وغنائية فكان في الغالب من النوع الدنيوي الذي يهتم بكل مواضيع الحب والرثاء والفراق، وكان الغناء يتبع الطريقة التالية، حيث يقوم الشاعر الغنائي بوضع الكلمات فيعطيها لعازف ماهر ومغنية ذات صوت حسن من أجل أن يلحن ويعزف وتغني.

والملاحظ أن الآلات الموسيقية كانت في هذه الفترة متنوعة تتشابه بصورة قطعية بمثيلاتها في الحضارات المجاورة.

1 – الآلات الوترية: الطنبور والعود بأنواعه العديدة المزهر والتجويف الجلدي الكران أو البربط: ويعني صدر البطة.

المبنك: يشبه القانون.

المعوفة: وهي نوع من القانون أيضا
المربع نوع من القيتارة ذات تجويف منبسط.

2ـ آلات النفخ.
المزمار أو القصابة (ناي منتصب عموديا)
الدياني (وهو الناي المزدوج)

3 – الآلات الايقاعية: القضيب لضبط وزن الغناء، الطبل، الدف، الصنوج، الجلاجل.

ومن أشهر الموسيقيين في هذه الفترة المهلهل وهو عدي بن ربيعة شاعر بني تغلب، وعلقمة بن عبده وهو من شعراء المعلقات، والأعشى ميمون بن قيس، والنضر بن الحارث الذي عرف بكونه بدل آلة العود محل المزهر القديم في العزف. ومن النساء الموسيقيات، أم حاتم الطائي الشاعر المعروف، والخنساء شاعرة عزف الرثاء والتي كانت تغني مراثيها بمصاحبة الموسيقى.