الشيخة هذا الإسم الذي أحمله مثل شرف مجروح. أتذكر فيلم “الحرام” لهنري بركات، أتذكر فاتن حمامة المرأة التي تحاملت عليها الحياة وألبستها ثوب السواد والفضيحة. تكالبت عليها ذئاب البؤس الشرسة. لكن الشيخة تحتفل بكل الألوان، وحينما يجثم الليل تصعد الشيخة في أبهى حللها كي تشعل الليل نهارا وتتلألأ ألوان أخرى.
انا الشيخة التي كرهت هذا الإسم والذي لا يتجرأ على نطقه سوى هؤلاء الحاقدين والذين يختارون الوقت المناسب لإسقاط هذه المرأة من عرشها الواهن. لا أعرف لماذا أخد هذا الإسم كل هالات السقوط والإنحطاط، بينما إسم الشيخ يأخد نصيبه الكبير من الوقار والمعرفة والتجربة. للشيخ كل الإحترام، لكن تأنيث هذا الإسم جعله ينزل إلى الدرك الأسفل. هل كل ما يؤنث يدنس ؟ . نم قرير العين يابن عربي، فالمكان الذي لا يؤنث، لا يعول عليه. بل تتعالى المعاول كي تدفن عار تأنيثه.
الشيخة تعرف الأثر الجارف لهذه الجملة التي يترد صداها دوما في قلبها الجريح : “كلام الليل يمحوه النهار”. هي العارفة بأسرار الغبن الشاسع والذي يتملكها كقبضة يد صارمة وقاسية. مصيرها أشبه بذلك القدر الذي جعل شهرزاد تتخندق خلف سور الحكايات كي تنقد روحها، لكن الشيخة حينما تستيقظ في الصباح، عليها أن ترمم وجهها المكسور وتنسى كلام رجال التمعت في أعينهم كل الرغبات التي صدتها الشيخة، كي يظل صوتها يصدح بغناء نساء غادرتهن الطمأنينة في أرض ملغمة برجال أشبه بمقابر متحركة.
الشيخة امرأة بسيطة وتحمل هموم الآخرين. تلك الطفلة التي أيقظوها في صباح بارد كي تنشر الدفئ من خلال تورد وجنتيها الجميلتين. كيف لها أن توقف هذا المصير الموجع وقد نضج فيها صوت هذا الغناء الذي تحول إلى مهجع ليلي لكل الآلام التي طمرت في قلب النسيان.
الشيخة تحزن لهذه الصورة المزدوجة وهذه السكيزفرينيا المثقلة بخوف رهيب من الجمال، الذي يفتح أبواب الأسئلة الماكرة، والتي تجعلنا نتعثر في فهمنا الخاطئ لهذه الحرية المسربلة بعطر أنثى استثنائية.
الشيخة تحمل قلبا رهيفا لكن روحها مثل طائر تم دهسه وتركت أشلاءه تلتصق ببلاط الإسفلت البارد. لا أحد سينقدها سوى هذه اللامبالاة والتي تجعلها تمضي بقوة في قلب تناقضاتنا المهولة. ستغني رغما عنا وترقص فوق تلال جبننا وتخلينا عن هذا الكروان الذي يعرش فوق شجرة إنسانيتا العجفاء.