
بقلم: محمد خوخشاني

المحطة الأخيرة في دفتر العبور (25 نوفمبر – 27 دجنبر)
تختتم رحلتنا، أنا وزوجتي، هنا في إشبيلية، بعد رحلة دامت أكثر من شهر. انطلقنا في الخامس والعشرين من نوفمبر من أرصفة أمستردام، وعبرنا مدن هولندا طيلة عشرين يوماً، ثم مررنا ببروكسل، وباريس، وديجون، وصولاً إلى مونبلييه، لنحط الرحال أخيراً في جوهرة الأندلس.
اليوم، ونحن على متن القارب السياحي فوق مياه نهر الوادي الكبير (Guadalquivir)، نشعر وكأننا نبحر في قلب التاريخ. من هذا النهر بالذات، انطلق كريستوفر كولومبوس ليغير وجه العالم، تاركاً إسبانيا خلفه ليمد نفوذها نحو الأمريكتين بتمويل من الملوك الكاثوليك.
● برج الذهب: حارس التاريخ
تبدأ جولتنا من جوار برج الذهب (Torre del Oro)، ذلك الصرح الذي لم يكن مجرد حصن دفاعي، بل كان “بوابة الهند” ومركز المراقبة الجمركية لكل ثروات العالم الجديد. من هنا، كانت تمر سبائك الفضة والذهب، التوابل والكاكاو، لتجعل من إشبيلية العاصمة الاقتصادية للعالم في ذلك العصر.
أبرز المعالم التي رصدناها من النهر:
● حي تريانا (Triana): مهد البحارة الذين شكلوا طواقم الرحلات الكبرى.
● دير لا كارتوخا (La Cartuja): حيث خطط كولومبوس لرحلاته بين خرائط الرهبان.
● قصر سان تيلمو: الذي كان مدرسة للملاحين والقادة الذين روّضوا المحيطات.
من المحيطات إلى العودة للديار.
لقد كان إنجاز كولومبوس نقطة تحول كبرى؛ حيث انتقل مركز ثقل القوة من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي. تنافست الإمبراطوريتان الإسبانية والبرتغالية على السيادة العالمية، مما أدى إلى رسم خارطة جديدة للعالم وتدشين عصر العولمة الأول.
غداً السبت، 27 دجنبر، نغادر إشبيلية نحو مالقة، لنستقل الطائرة في اتجاه مطار “فاس – سايس”. ومع نهاية مياه الوادي الكبير في أفقنا، نتطلع للعودة إلى بيتنا في مدينة مكناس العريقة، محملين بذكريات تمتد من قنوات أمستردام إلى قصور أندلسية لا تغيب عنها الشمس.
ملاحظة تاريخية لدفتري:
لقد ربطت رحلتنا بين مدن كانت يوماً ما جزءاً من صراعات وتحالفات كبرى (هولندا وإسبانيا)، وختمناها في إشبيلية التي تشترك مع مدينتنا مكناس في روح الأصالة والهندسة المعمارية التاريخية.
إحترام وتقدير لزكرياء:
لم يكن لهذه الرحلة أن تتحقق لولا تفاني ابننا البار زكرياء. فبفضله، استطعنا القيام بهذا السفر الذي استغرق شهراً كاملاً عبر أوروبا، لنحتفي معاً بمرور الثلث الأول من القرن على زواجنا. لقد كان دعمه وسنده المحرك الحقيقي لهذه المغامرة، مما أتاح لنا تخليد ذكرى ثلاثة وثلاثين عاماً من الرباط المقدس في أجواء من الطمأنينة والاكتشاف. شكراً لك يا زكرياء، على جعلك هذا الحلم واقعاً ملموساً.
محمد خوخشاني.
إشبيلية يوم الجمعة 26 دجنبر 2025









