أخبارسياسة

الصحراء المغربية: كبوة الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية

بقلم: عزيز داودة

تحدث وزير الثقافة والفنون والاتصال والعلاقات مع البرلمان الموريتاني، الناطق الرسمي باسم الحكومة، الحسين ولد مدو، مؤخرًا على قناة فرانس 24 عن موقف موريتانيا مما يُسمى نزاع «الصحراء الغربية». بدا عليه الانزعاج، لدرجة أنه بدا متفاجئًا من سؤال الصحفي، وتلعثم في الكلام، مؤكدًا أن موريتانيا تنتهج سياسة الحياد، واقترح مفهومًا جديدًا: “الحياد الإيجابي والفعال” في هذا الشأن).

وبشكل فضفاض، لخّص المسألة على أنها مسألة بين المغرب وما أسماه “الصحراء”، دون تحديد هوية هذه الجهة. وزاد من تعقيده تأكيده أن بلاده ليست متوقفة على موقفها السلبي، بل ملتزمة برغبة صادقة في المساهمة في حل سياسي عادل، يخدم الاستقرار الإقليمي ويخدم مصالح جميع الأطراف المعنية. ومرة ​​أخرى، لم يوضح من هي هذه الأطراف، في رأيه. هل يُدرج بلاده أم لا؟ (انظر الفيديو أدناه للمحلل السياسي الجزائري أنور مالك).

 

 

وبحسب الوزير، يتجلى هذا الحياد تحديدًا في استعداد موريتانيا للقيام بدور محوري في تيسير الحوار بين أطراف النزاع، من خلال تهيئة مناخ من الثقة وتجاوز الجمود السياسي. ومع ذلك، يبدو أنه لم يقرأ قرارات مجلس الأمن بعناية منذ عام 2007.

أبدى الوزير انزعاجًا أكبر عندما سأله الصحفي عن إغلاق معبر «البريقة» الحدودي بين موريتانيا والجزائر. وأعطى انطباعًا بأنه لم يكن على علم بالإغلاق، وهو أمرٌ مُستغرب، نظرًا لأن القرار أثار جدلًا واسعًا وردود فعلٍ حادة من الانفصاليين تجاه بلاده وحكومته.

بعد تردد، تابع، بسطحية شديدة، مؤكدًا، فيما يتعلق بالأمن، أن قرار موريتانيا الأخير بإغلاق معبر «البريقة» على الحدود مع الجزائر كان إجراءً اتُخذ لأسباب أمنية داخلية، بهدف ضبط المعابر وحماية السيادة الوطنية. وقد أغرقته مساعيه للتعافي أكثر. فهو يرى أن هذا القرار ليس له أي دلالة سياسية، ولا يستهدف أي طرف بعينه، بل هو استجابة لمبادرة حكومية تهدف إلى تأمين الحدود. أمرٌ مثير للدهشة.

هكذا اختزل الوزير الموريتاني ما يُسمى بصراع الصحراء الغربية صراحةً في مسألة بسيطة بين المغرب وما أسماه “الصحراء”. فهل أدرك حينها التداعيات السياسية الحساسة التي يُسببها ذلك؟ في الواقع، اعتُبر هذا الموقف دعمًا غير مباشر للرواية الجزائرية للصراع. سارعت الجزائر إلى توجيه دعوة رسمية للوزير ومنحه العديد من الأوسمة. ولا يُمكن تفسير هذا الرد الجزائري الفوري إلا كمكافأة على موقف الوزير المُخاطر.

وهكذا يجد نفسه في موقف يناقض نفسه. يتضح جليًا “الحياد الإيجابي” الذي تحدث عنه: إنه في الواقع انحياز للموقف الجزائري.

وقد أثار هذا الوضع انزعاجًا لدى الحكومة الموريتانية والرئاسة، اللتين لم تدعما رسميًا تصريحات الوزير. وقد أعرب عدد من أعضاء الحكومة عن انزعاجهم من هذا التصريح، مؤكدين أنه لا يعكس الموقف الرسمي لموريتانيا.

علاوة على ذلك، ارتفعت أصواتٌ ناقدة في المجتمع المدني الموريتاني، مُندِّدةً على وجه الخصوص بجهل الوزير الواضح بقضايا حساسة، لا سيما مسألة الحدود مع الجزائر. وخلال المقابلة، أشار الصحفي أيضًا إلى أن الوزير بدا مُستخفًا بهذا الموضوع، مما زاد من حدة القلق المُحيط بتصريحاته.

من الجانب المغربي، كان رد الفعل على تصريحات المتحدث باسم الحكومة الموريتانية معتدلاً للغاية، إن لم يكن معدوماً رسمياً. اختار المغرب، كعادته، عدم التعليق علناً على هذا التصريح، ربما معتبراً الوزير الموريتاني مجرد طرف هامشي، وليس جزأً من القيادة الحقيقية لموريتانيا. يمكن تفسير هذا الصمت على أنه استراتيجية تهدف إلى عدم إعطاء أهمية لهذه التصريحات، تجنباً لإثارة جدل لا داعي له وإحراج القادة الموريتانيين الحقيقيين دون وجه حق.

تجدر الإشارة إلى أن هذا الاجتماع عُقد قبل هجمات البوليساريو الأخيرة قرب السمارة، على بُعد مسافة قصيرة من مواقع بعثة المينورسو، التي اشتكت رسميًا منها. وقد تسلل المرتزقة عبر الأراضي الموريتانية، حيث تمكنت القوات المسلحة الملكية من تحييدهم.

وقد خلق التصريح الخرقاء للمتحدث الرسمي المزعوم توتراً دبلوماسياً ضمنياً، وكشف عن خلافات داخلية في موريتانيا، وأبرز التعقيدات الإقليمية المحيطة بما يسمى صراع الصحراء الغربية، حيث يتم التدقيق في كل موقف ويمكن أن تكون له عواقب دبلوماسية كبيرة، دون عرقلة التطور التاريخي الحتمي والمؤكد: تقدم وتعزيز الحل الذي اقترحه المغرب، والذي تعززه الاعتراف بمغربية الأراضي المعنية من قبل جميع البلدان المعنية تقريباً، والعديد من البلدان الأخرى.

لذلك، تجاهل موقف الوزير التطورات الأخيرة، لا سيما تقديم “قانون تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية” في الكونغرس الأمريكي، وهو أمرٌ لا يمكن لزعيم سياسي في موقعه تجاهله.

ببساطة، همّش الوزير بلاده، التي تأثرت بشكل مباشر من هذا النزاع المفتعل منذ ما يقرب من نصف قرن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci