
بقلم: زكية لعروسي

ما نعيشه اليوم من مظاهر عنف في الشارع المغربي سيدتي القارئة، وسيدي القارئ، لم يعد مجرد أحداث معزولة يمكن تجاوزها بصمت. ما يجري ليس فقط سرقة حقائب نساء، بل سلب يومي لكرامة مجتمع.
ليست هذه مجرد سرقة… إنها خيانة صريحة لعقدنا الاجتماعي، صفعة في وجه الأمان، وصرخة عظام مكسورة في زحام الإهمال العام. حين تمشي النساء في شوارعنا والذعر يتدلى من حقائبهن، فذلك ليس عارهن… بل عار وطن يُطعن من الخلف. العنف الذي نراه اليوم في شوارع المغرب لم يعد طارئا أو نادرا، بل تحوّل إلى مشهد متكرر، جريء، وقح، يتحدى القانون والمجتمع معا.
أربع نساء في مدينة واحدة، في وقت متقارب، يُهَاجَمن على يد شبان يمتطون دراجات هوائية. واحدة منهن لم تسلب حقيبتها فقط، بل سُرق منها الورك، انكسر فيها العظم، وتصدّع ما هو أعمق: شعورها بالأمان. هذه ليست جرائم معزولة، بل شظايا أزمة وطنية. من يهاجم امرأة اليوم، لا يسرق حقيبة… بل يغتصب ثقة مجتمع بكامله في قدرته على حماية نفسه هذه الحوادث لم تعد استثناء، بل صارت ظاهرة مقلقة، تستوجب وقفة جادة وتحليلا عميقا، لأن الذئب لا ينتظر الغفلة، بل يبحث عنها. باستعمال يد سريعة، لا لتطبطب على كتف نسائنا، بل لتخترق وتغتصب ذاكرتهن وجسدهن.
صحيح أن السرقات تحدث في كل مكان، لكن ما ينزف في المغرب ليس الجيب، بل النفس. نحن لا نتحدث عن انحراف عابر، بل عن خلل عميق في البنية التربوية والاجتماعية والسياسية. هؤلاء الشباب ليسوا غرباء هبطوا من كوكب آخر، بل أبناء أحياء مهمشة، كبروا في مدارس فقد فيها المعلم هيبته، وتربوا في فراغ ثقافي رهيب، وغُذوا برسائل يومية من إعلام سطحي يكرّس التفاهة والعنف. نحن أمام أزمة مركبة:
–أزمة قيم وتربية،
-أزمة اندماج اجتماعي
-أزمة فقدان الثقة بالمؤسسات
-وأزمة انتماء ضائع
فكيف نطالب شابا بالحفاظ على مجتمع لم يحتضنه قط؟ أيها القارئ، أيها المسؤول، أيها المربّي، أيها الفاعل السياسي، تعالوا نضع إصبعنا على الجرح قبل أن يُبتر الجسد. الشاب الذي يسرق اليوم ليس مجرد عاطل أو جانح، بل نتيجة فشل جماعي:
-فشل التربية
-فشل الثقافة
-فشل السياسات العمومية
-وفشل في إعطاء المعنى
السياسة الحقيقية لا تبدأ من خطة أمنية بعد الانفجار، بل من بناء المعنى قبل أن نصل إلى لحظة الانفجار. المدارس لا يجب أن تكون زنازين، ودور الشباب لا يجب أن تكون خرائب، والأمهات لا يجب أن يمشين في الشوارع كما لو كنّ على أطراف أصابع الخوف.
هل سألنا أنفسنا لماذا يفضّل شابٌ سكينا على قلم؟ هل فكرنا في أن مراكز الثقافة لا تُبنى بالإسمنت فقط، بل تُشيّد بالأمل والكرامة والكتب؟
لقد آن أوان الحقيقة: نحن لا نعاني فقط من الجرائم، بل من غياب رؤية شاملة تحتضن شباب الوطن. لا نحتاج فقط إلى الأمن في الشوارع، بل إلى الأمن في الأفكار، في الفضاءات، في المستقبل. إن صرخة الورك المكسور ليست صرخة امرأة، بل نداء وطن يتشقق في صمت. إن الشاب الذي يُسمَع اليوم، لن يسرق غدا. والمسؤول الذي يصغي الآن، لن يحتاج إلى تدخل أمني كثيف بعد سنوات. هي مسؤوليتنا جميعا، ولكن مسؤولية السياسي أعمق، لأنه يمتلك أدوات الفعل والتغيير. لا نريد أن نصل إلى يوم نقول فيه: لقد تأخرنا كثيرا… ولم نعد نملك إلا الخوف.
افتحوا النقاش، قبل أن يفتح العنف فوهته الكاملة. افتحوا دور الشباب، قبل أن تُفتح المحاكم أكثر. افتحوا الأفق، قبل أن يغلق الجرح على قيح الخيبة. فلنوقف النزيف… قبل أن نُحمل جميعا إلى غرفة الإنعاش الوطني. فالوطن الذي يحتضن شبابه، لن يُطعن منهم.





