أخبارسياسة

بين عقدة الزعامة وعزلة الموقف: جنون الجزائر الدبلوماسي

بقلم: زكية لعروسي

في مشهد عبثي جديد، تنفجر قنوات الإعلام الرسمي الجزائري بحملة شتائمية هستيرية، هذه المرة ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، في مشهد يعيد للأذهان أسوأ فصول الدعاية القومية العدوانية التي تخلط بين الهذيان اللفظي والتشويش العقلي.

 

في كل مرة نعتقد أن الخطاب الرسمي الجزائري قد بلغ القاع، يُفاجئنا إعلام النظام بما هو أعمق وأكثر انحدارا. كانت الإمارات العربية المتحدة هي الضحية الجديدة لحملة سباب مسمومة تبث على القنوات الرسمية، وكأن الشتم أصبح سلوكا دبلوماسيا معتمدا، أو ربما بديلا عن السياسة في حد ذاتها.

فأن تصف دولة ذات سيادة، لها ثقلها الإقليمي والدولي، بأنها “دويلة اصطناعية”، وأن تُكال لها أوصاف من قبيل “نظام نانوي” و”لَحّاس أحذية”، فذلك لا يندرج ضمن حرية التعبير أو حتى الخلافات السياسية. بل هو انزلاق خطير يكشف عن حالة من الانفصام الدبلوماسي والسياسي الذي بات يعمق عزلة الجزائر ويقودها نحو هاوية أخلاقية واستراتيجية. خرجت المذيعة الجزائرية -باسم الدولة لا باسم الرأي الحر- لتبث موجة من الخطاب المنفلت لا تعبر عن موقف سياسي، بل عن حالة نفسية مشحونة، تختلط فيها عقدة التفوق مع وهم الزعامة ومرارة العزلة.

هل هذه هي “السيادة” التي طالما تحدثت عنها الجزائر؟ أن تفتح ملفات التاريخ الأرشيفي لتهاجم دولا شقيقة، بينما الواقع السياسي ينهار داخليا؟ هل أصبحت الدبلوماسية الجزائرية قائمة على إشعال الحروب الكلامية مع الدول، بدل إدارة الملفات الإقليمية برؤية ومسؤولية؟

 

 

الجنون الإعلامي تجاوز حدود الخلاف، ليصل إلى استدعاء أرشيفات من خمسينيات القرن الماضي، فقط لمحاولة رسم صورة كارثية عن الإمارات، متناسين أن التاريخ لا يُزوَّر بتلاوة مشاهد قديمة، بل يُكتب بالإنجازات، وبالقدرة على بناء الحاضر وصناعة المستقبل.

وفي غمرة الغضب، تهدد الأصوات الجزائرية بـ”قطع اليد الممدودة” و”بتر الأرجل” و”اقتلاع الألسن”، وكأننا أمام فيلم رعب، لا أمام تصريح دولة تدّعي السيادة والتوازن والكرامة. فهل من الشرف والكرامة أن تتحول منابر الدولة إلى مسارح للتهديد الشخصي واللغو العدائي؟

قائمة الخصومات تطول، فلمن الدور بعد الإمارات؟

المغرب، تونس، فرنسا، إسبانيا، الإمارات… ومَن يدري، ربما قريبا السعودية أو موريتانيا أو حتى القمر الصناعي الذي يمر فوق قصر المرادية! فحين تتحول العلاقات الدولية إلى معركة مزاجية يحكمها الحقد والارتجال، يصبح كل من يظهر نجاحا أو تأثيرا، هدفا لحملة تشويه ممنهجة. هل باتت الدبلوماسية الجزائرية قائمة على قائمة سوداء تتسع يوما بعد يوم؟ وهل اختلطت مفاهيم السيادة بالعدوان، والحس الوطني بالهذيان؟

الجزائر اليوم لا تعاني من سوء التقدير فقط، بل من أزمة هوية دبلوماسية. خطابها الخارجي فقد البوصلة، وإعلامها الرسمي بات مهووسا بإهانة الآخرين عوض معالجة أزماته الداخلية.

حين تتحول لغة الدولة إلى شتائم، وتسقط السياسة في وحل التهديدات البدائية، فإننا لا نكون أمام خلاف سياسي، بل أمام انهيار أخلاقي وسياسي صارخ.

هذه ليست مواقف، بل هستيريا. وليست خلافات، بل أعراض لانفصام بين من يدير الدولة ومن يفهم العالم. كيف تفسر أن تَهدُر قناة وطنية عبارات مثل “قطع اليد”، “بتر القدم”، و”اقتلاع اللسان”، وكأننا في حلبة مصارعة لا في منبر دولة تطالب بالاحترام؟

إن السياسة ليست منبرا للثأر، ولا الميكروفون أداة إهانة

الواقع أن الإمارات، رغم الخلاف أو التباين في المواقف ،لا يمكن إنكار ثقلها الإقليمي، ولا إنجازاتها التنموية، ولا قدرتها على بناء شراكات استراتيجية مع قوى العالم. فهل الرد على ذلك يكون بقراءة نشرات مليئة بالضغينة، أم بإصلاح الذات وتوجيه الجهد للداخل الذي يطالب بحقوقه هو أيضا؟

على التوجيز، ما يحصل في الجزائر ليس فقط تعديا على الأعراف الدبلوماسية، بل إعلان إفلاس سياسي صريح. عندما يتحول الإعلام إلى ساحة شتائم، وتصبح العلاقات الدولية رهينة نزق البعض، فاعلم أن الدولة تفقد السيطرة على خطابها، وتغرق أكثر في متاهة الهروب إلى الأمام.

فإلى متى سيستمر هذا الجنون؟ ومن التالي في مرمى “الكرامة الثائرة” التي لا تنفجر إلا في وجه الأشقاء؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci