
بقلم: زكية لعروسي
من جديد، تجد الجزائر نفسها في مواجهة ساخنة مع أحد جيرانها، وهذه المرة، النيران تمتد نحو مالي، البلد الغارق في أزماته الداخلية. حادثة إسقاط الجزائر لطائرة مسيرة مالية على حدودها تفتح باب التساؤل عن طبيعة سياستها الخارجية: هل هي دبلوماسية حسن الجوار أم سياسة الاستفزاز المستمر؟
في بيان رسمي مساء الثلاثاء 1 أبريل، أعلنت القوات المسلحة المالية أن “طائرة مسيرة تابعة لها تحطمت بالقرب من تين زاواتين”، المدينة الحدودية المقسمة بين مالي والجزائر. التصريح لم يأت من فراغ، فقد سبقه بساعات بيان جزائري يؤكد أن “الجيش الجزائري أسقط درون اخترق أجواءه بعمق كيلومترين”.
L’Etat-Major Général des Armées informe l’opinion que dans la nuit du 31 mars au 1er avril 2025, un aéronef sans pilote appartenant aux FAMa s’est écrasé à proximité de TIN-ZAWATENE, dans la région de KIDAL. L’appareil était en mission ordinaire de surveillance du territoire,… pic.twitter.com/XHeu3wie3I
— FAMa (@DirpaFa) April 1, 2025
بين البيانين، يكمن الخلاف العميق بين الجارتين، فبينما تصر باماكو على أن الطائرة كانت في “مهمة استطلاع عادية”، ترى الجزائر أنها “تهديد لسيادتها”، مما يزيد من التوتر في منطقة ملتهبة أصلا. فهل الجزائر راعية التوازن أم اصبحت تبرع في صنع الأزمات؟
🇲🇱🇩🇿 Le ministère algérien de la Défense annonce avoir abattu le drone qui a violé son espace aérien.
Des tensions majeurs se préparent dans la région entre le Mali et l’Algérie.🇩🇿Les @DirpaFa n’ont pas encore communiqué. pic.twitter.com/Bdmm6oWyjJ
— Ibrahima Camara (@SineIbrahima) April 1, 2025
منذ سنوات، تحاول الجزائر لعب دور الوسيط في النزاع المالي، لكن هذا الدور بات أكثر ضبابية مع دعمها الضمني أو المباشر لبعض الفصائل في الشمال المالي.
مدينة تين زاواتين أصبحت ملاذا آمنا لكيانات متناحرة، بعضها انفصالي، والآخر متشدد مسلح، ما جعل مالي تنظر إلى الجزائر بعين الريبة. اللافت أن الفصيلين الرئيسيين هناك هما:
-الإطار الاستراتيجي لحماية شعب أزواد (CSP-DPA) بقيادة بلال أغ الشريف، وهو تنظيم انفصالي يسعى لإقامة حكم ذاتي في شمال مالي.
-جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) بقيادة إياد أغ غالي، المصنفة إرهابية دوليًا، والتي تشن عملياتها في المنطقة بدعوى الجهاد.
السؤال هنا: كيف تسمح الجزائر لنفسها بأن تكون وسيطا في الأزمة المالية، بينما ينظر إليها كطرف داعم لهذه الكيانات؟ وهل يمكن لمالي أن تثق في نوايا الجزائر بعد هذا الحادث الأخير؟ إذن ماذا بعد؟
باماكو لم تتأخر في الإعلان عن فتح تحقيق لمعرفة “ملابسات الحادث وتحديد المسؤوليات”، بينما تعهدت بإبقاء الرأي العام على اطلاع بنتائج التحقيق. لكن الحقيقة الواضحة أن العلاقات الجزائرية-المالية تمر بمرحلة حرجة غير مسبوقة.
هذا التصعيد ليس مجرد حادثة حدودية عابرة، بل هو اختبار حقيقي لدبلوماسية الجزائر، التي تجد نفسها مضطرة للرد على أسئلة ملحة:
1- هل كانت الجزائر بالفعل ضحية اختراق سيادتها أم أنها تخلق أزمة لتبرير تدخلها المستقبلي؟
2- هل تستطيع الجزائر مواصلة لعب دور “الوسيط المحايد” بعد كل هذه الوقائع؟
3- وإلى أي مدى يمكن أن يمتد هذا التوتر؟ وهل ستصل تداعياته إلى مزيد من التصعيد العسكري؟
مالي ليست أول جار تحتك به الجزائر، فالتوترات مع المغرب، ليبيا، وحتى تونس، ليست بعيدة عن الأذهان. واليوم، مع هذه الحادثة، يزداد الشك حول قدرة الجزائر على تحقيق الاستقرار الإقليمي. فهل ستكون الأيام القادمة بداية مرحلة جديدة من الصدامات، أم أن الدبلوماسية ستجد طريقها لتخفيف حدة الأزمة قبل فوات الأوان؟