الدبلوماسية المغربية: الحكمة حين يصبح الآخرون أسرى توترهم

بقلم: زكية لعروسي

 

في عالم الدبلوماسية، هناك من يتحرك بثبات، وهناك من يتخبط في دوامة الانفعالات. والمغرب، كما أثبت مرارًا، هو من النوع الأول: بلد يعرف متى يتحدث، متى يتحرك، ومتى يترك الأحداث تكشف ضعف خصومه دون أن يحرك ساكنا. أما الجزائر، فمرة أخرى، تقدم درسا في كيف تحرق الجسور الدبلوماسية بقرارات لا تخدم إلا أولئك الذين يتقنون العيش في العزلة.

قرار طرد نائب القنصل المغربي من وهران ليس إلا انعكاسا لسياسة مأزومة، تختبئ خلف عبارات مثل “الأمن القومي” و”المعايير الدولية”، لكنها في جوهرها ليست سوى مسرحية رديئة تعاد للمرة الألف، والنتيجة؟ لا شيء سوى المزيد من التصعيد العقيم.

الدبلوماسية ليست صراخا في المؤتمرات الصحفية، وليست بيانات غاضبة تصدر على عجل. الدبلوماسية الحقيقية هي بناء، هي رؤية طويلة المدى، هي ثقة في النفس تجعل الدولة ترد عندما يكون الوقت مناسبا، وبالطريقة المناسبة.

المغرب، بعقيدته الدبلوماسية الراسخة، لا يحتاج إلى الدخول في دوامة الطرد والرد بالمثل، لأنه يدرك أن قوته ليست في إقصاء الآخرين، بل في كسب المزيد من الأصدقاء والحلفاء. وبينما يختار البعض سياسة العزلة والقطيعة، يواصل المغرب توسيع نفوذه في إفريقيا، تقوية علاقاته مع أوروبا، وترسيخ مكانته كقوة إقليمية وازنة.

أما الحديث عن “تحركات مشبوهة”، فهو في حد ذاته اعتراف ضمني بقوة المغرب، لأن الدول الواثقة من نفسها لا تلجأ إلى طرد الدبلوماسيين كوسيلة للهروب من مشاكلها الداخلية.

إذا كان التاريخ يعلّمنا شيئا، فهو أن من يُكرر نفس الأخطاء لا يتوقع نتائج مختلفة. في 2020، انفجر الجدل بعد أن وصف القنصل المغربي الجزائر بـ”البلد العدو”، وهو تصريح لم يكن ينبغي أن يحدث، لكن رد الفعل الجزائري حينها كشف أكثر مما أخفى: أزمة هوية سياسية، وارتباك في التعامل مع المغرب، وكأن مجرد وجود دبلوماسي مغربي في وهران يمثل تهديدا!

اليوم، تعود الجزائر لنفس الأسطوانة، وكأن الزمن متوقف عندها، بينما المغرب يتقدم، يبني، ويعزز موقعه. والنتيجة؟ بلد ينظر إلى المستقبل، وآخر عالق في هواجسه القديمة.

المغرب لا يرد على الانفعال بالانفعال، بل يعرف متى يكون الصمت أقوى من الكلمات، ومتى يكون الفعل أنجع من رد الفعل. وبينما يعتقد البعض أن التصعيد هو القوة، يدرك المغرب أن القوة الحقيقية هي في القدرة على ضبط النفس، وفي جعل الخصم هو من يغرق في تناقضاته.

العالم لا يحترم الدول التي تبني سياساتها على الأزمات المفتعلة، بل يحترم الدول التي تبني الجسور، تخلق الفرص، وتدرك أن الدبلوماسية ليست مجرد لعبة شد وجذب، بل هي فن تحقيق المصالح بذكاء وحكمة.

وأخيرًا: من يملك القلم ومن يقف عند الرجلين؟

كما تقول خيرة، “ولا القلمون عند الرجلين”، ومن يملك القلمون يكتب التاريخ، يحدد المسارات، ويصنع الفارق. والمغرب اليوم، بما يملكه من رؤية، من ثبات، ومن دبلوماسية حكيمة، يكتب فصلا جديدا في معادلة القوة الإقليمية، بينما يظل البعض رهين الماضي، يحارب طواحين الهواء، ويبحث عن أعداء في كل زاوية.

التاريخ لا يصنع بالصراخ، والجعير بل يصنع بالعقل. والمغرب، كما أثبت مرارا، هو الذي “يملك القلمون والصنعة ديال القلمون”.