بوعلام صنصال والإضراب عن الطعام: متى أصبح القلم جريمة؟

بقلم: زكية لعروسي

في بلد يدعي أنه ينتمي إلى منظومة الحقوق والحريات، يجد الكاتب والمفكر بوعلام صنصال نفسه اليوم في زنزانة تُضيق على كلماته، بينما جسده يذبل تحت وطأة إضراب عن الطعام فرضته عليه قسوة السجان وظلم القضاء. رجل في الثمانين من عمره، يعاني من المرض، يُجبر على اللجوء إلى آخر سلاح متاح: جسده الذي يذوب احتجاجا على محاكمة تفتقر لأدنى معايير العدالة.

أي قانون هذا الذي يُجرّم الفكر ويلاحق صاحبه وكأنه مجرم حرب؟ أي دولة هذه التي تخاف من كلمات كاتب مسن أكثر مما تخشى فسادها الداخلي، وانهيار اقتصادها، وتردي أوضاع شعبها؟ بوعلام صنصال ليس أول من يُلاحق بتهمة “المساس بأمن الدولة”، لكنه ربما يكون من أكثر الحالات المأساوية التي تكشف عن إفلاس منظومة لم تعد تملك إلا القمع أداة للحكم.

اليوم، ونحن نتابع حالته الصحية المتدهورة، لا يمكننا إلا أن نتساءل: إلى متى سيظل نظام الدولة الضاربة في الظلام والضلال ترى في المثقف بوعلام صنصال عدوا؟ هل بلغ الرعب من الكلمة حدًّا يجعل السلطة تترك رجلا طاعنا في السن يواجه خطر الموت البطيء فقط لأنه قال كلمة حق؟

بوعلام صنصال، سواء اتفقت أو اختلفت مع مواقفه، يبقى كاتبا، والفكر لا يُحاكم. إضرابه عن الطعام هو صرخة مدوية ضد ظلم تجاوز الحدود، ضد نظام يحاول كسر إرادة المثقف وإخماد صوته. لكن للتاريخ ذاكرة حية، والتاريخ لا ينسى.

يقول المثل الشعبي: “من عاشر الظالم صار ظالما”، فكيف بمن يحتجز القلم ويكتم صوت الفكر؟ أي منطق هذا الذي يجعلنا نعتقل إنسانا لأنه فكر، لأنه كتب، لأنه قال ما لم يرق لآذان اعتادت سماع المديح والتمجيد؟

إن اعتقال الكاتب بوعلام صنصال هو شاهد آخر على زمن تُقلب فيه الموازين، فيصبح القلم جريمة، والكلمة سلاحا، والمفكر عدوا، ألم يقل أجدادنا: “اضرب المربوط يخاف السايب”؟ اليوم، كل مثقف حر بات مهددا، لأن الدولة الضاربة في الظلام والضلال تحاول أن تجعل من صنصال عبرة لمن تسوّل له نفسه أن ينطق بالحق أو يشكك في السرديات الرسمية.

ولكن، كما قالوا: “الحق يعلو ولا يُعلى عليه”. فالمثقف الحقيقي، حتى وهو خلف القضبان، يبقى أقوى من سجّانيه. صنصال قرر أن يواجه القمع بالإضراب عن الطعام، وهو يعلم أن “من صبر ظفر”، ولكن هل تسمع القوة الضاربة في السماء والمختفية من على الارض أم أنه، كما قال المثل، “لا حياة لمن تنادي”؟

أيُّ عقل يقبل أن يُزج بكاتب في السجن لأنه عبّر عن رأيه؟ أليست السجون خلقت للمجرمين، لا لأصحاب الفكر والقلم؟ ولكن في بلاد الظلم، كما يقولون، “حوت يأكل حوت، وقليل الجهد يموت”. إن السلطة التي تخاف من كلمة، من جملة، من كتاب، إنما تعلن عن ضعفها قبل أن تعلن عن قوتها. فهل نسي هؤلاء أن “الضربة اللي ما تقتل تزيد تقوي”؟

الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع. ولن يكون صنصال الأخير في قافلة الأحرار، فكما قال المثل: “إذا طاح الجمل كثروا اجناوا”، لكن هذا الجمل لن يسقط، لأن الكلمة الحرة، وإن جُرّمت، لا تموت. واليوم، ونحن نشهد هذا الظلم بأم أعيننا، لا يسعنا إلا أن نردد: “يا ظالم، لك يوم”.

في زمنٍ يُفترض فيه أن يكون صوت الحق مُحصّنا بحرية التعبير، تثبت الجزائر مجددًا أنها أسيرة أحقادها وعداواتها الوهمية، فتُمارس القمع ضد الإعلامي بوعلام صنصال، فقط لأنه قال الحقيقة التي يحاولون طمسها. سجن صنصال لن يُغير مسار التاريخ، ولن يُقنع الغرب بصواب موقفه المنحاز، بل سيؤكد للجميع أن الجزائر لا تملك إلا القمع سلاحا في معركتها الخاسرة. المغرب كله يقف معك، يا بوعلام صنصال، لأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، ولأن الله مع الحق وضد الظالمين.