أخباردوليفي الصميم

لا تحولوا أنظاركم! رسالة الكاتب بوعلام صنصال من داخل أسوار سجن الحراش بالعاصمة الجزائر

بعد أكثر من ثمانية أشهر في سجن “الحراش” سيئ السمعة بالجزائر العاصمة، ظل الكاتب بوعلام صنصال، رغم سنه (80 عامًا) ومرضه (سرطان البروستاتا)، شامخًا وكريمًا. في رسالة موجهة إلى أصدقائه، تحدى صنصال سجانيه واستنكر بجرأة نادرة “آلة الطحن والإهانة” التي تمارسها الديكتاتورية الجزائرية.

يُخاطب فرنسا، ويحثّها على عدم بيع مبادئها لسوق المصالح الاقتصادية. ويُخاطب الجزائريين، ويدعوهم لكسر أعظم سجونهم: الخوف.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يجب على الجزائريين أن يستيقظوا ويستعيدوا السلطة من 400 جنرال لا يزالون يحكمون البلاد بقبضة من حديد. يجب أن يستعيدوا زمام مصيرهم. هذه المعركة تستحق كل التضحيات.

وفيما يلي النص الكامل لرسالته:

بوعلام صنصال سجن الحراش – الجزائر

أصدقائي،

إذا وصلتكم هذه الرسالة، فهذا يعني أنه رغم الجدران والأقفال والخوف، ما زالت هناك ثغرات يمكن للحقيقة أن تتسلل منها. أكتب إليكم من زنزانة يندر فيها الهواء، ولا يدخلها النور إلا ليذكر السجناء بأنهم ما زالوا أحياء، لكنهم ليسوا أحرارا أبدا.

لستُ الأول ولا الأخير الذي يتعرض لاستبداد النظام الجزائري. هنا، السجن ليس مكانا استثنائيا مخصصا للمجرمين، بل أداة عادية من أدوات الحكم. الدكتاتورية تسجن كما يتنفس المرء: بلا جهد، وبلا خجل. يسجنون الصحفيين، والنشطاء، والكتاب… وأحيانا حتى من لم يقل شيئا، فقط ليكون عبرة للآخرين.

ذنبي؟ أنني واصلت الإيمان بأن الكلمات يمكن أن تنقذ هذا البلد من شياطينه. أنني كتبت أن الجزائر ليست مجرد علم ونشيد، بل هي قبل كل شيء شعب يستحق الكرامة والعدالة. أنني رفضت تكرار التاريخ، واستمرار الفساد والعنف في السيطرة على المشهد.

أنا أعاني، نعم. جسدي يخونني، والمرض ينهش قواي، والنظام يأمل أن أرحل في صمت. لكنهم واهمون! فصوتي، حتى وهو مقيد، لا يخصهم. وإذا كان ما زال قادرا على الوصول إلى الخارج، فليقل هذا: لا تصدقوا واجهتهم المزيفة من الاحترام. هذه السلطة ليست دولة، بل آلة لسحق البشر.

وأتوجه إلى فرنسا بلا مواربة. لقد كنتم وطني الثاني، وملاذي الفكري. أنتم الذين تعلنون أنفسكم وطن حقوق الإنسان، تذكروا أن هذه الحقوق لا تتوقف عند ضفاف المتوسط. الحكومات تتعاقب، والدبلوماسيات تحسب، لكن المبادئ يجب أن تبقى راسخة. لا ترفعوا الراية البيضاء، ولا تضحوا بقيمكم على مذبح المصالح الاقتصادية أو التحالفات الظرفية.

أنا لا أطلب حريتي كمنة، بل باسم ما تقوم عليه كل المجتمعات الإنسانية: العدالة. إذا استسلمتم اليوم أمام نظام يظن نفسه فوق المحاسبة، فغدا ستمتلئ سجون أخرى، وستنطفئ أصوات أخرى.

وللجزائريين، إخوتي وأخواتي، أقول: اصمدوا. إن الخوف سجن أوسع من سجني الحالي، وهو أصعب كسرا. لكنني أعلم أن يوما ما سيسقط الجدار، فالدكتاتوريون يسقطون دائما في النهاية. أما أنا، فسأواصل الكتابة، حتى وإن بقيت أوراقي مخبأة تحت فراش السجن. فالكتابة هي الحرية الوحيدة التي لا يمكنهم مصادرتها، وبها سنبقى على قيد الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
Soyez le premier à lire nos articles en activant les notifications ! Activer Non Merci