بقلم: زكية لعروسي

لطالما أتقنت الجزائر دور المظلومية الثورية، رافعة شعارات “الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها” إلى درجة جعلت المتابع العادي يظن أنها وصية على العدالة الأممية. لكن، في الكواليس، لا شيء يشبه تلك الصورة النبيلة. فبدل أن تكون قوة ضاربة في دعم الشعوب، صارت قوة ضاربة في “التآمر والتورط”، مستحيلة نفسها لاعبا خفيا في النزاعات الإقليمية. فمن شعارات التحرر إلى استيراد الفوضى.
منذ فضيحة إرسال 500 جندي جزائري ومرتزقة من البوليساريو للقتال إلى جانب نظام بشار الأسد في سوريا، بدأت تتكشف معالم الوجه المظلم للسياسة الجزائرية. الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى دمشق في فبراير 2025 كانت مجرد محاولة بائسة لترقيع هذا الملف الحارق. أرادت الجزائر الإفراج عن جنودها المعتقلين لدى هيئة تحرير الشام، ولكن بدلا من ذلك، فُتح الباب أمام سلسلة من التسريبات الفاضحة.



هل تحولت الجزائر من دولة داعمة “لحقوق الشعوب” إلى شريك في جرائم الحرب؟ الإجابة جاءت من الإعلام السوري الذي كشف أن هؤلاء الجنود شاركوا في معارك ضارية في حلب، وقاتلوا بجانب النظام السوري حتى سقوطه. هنا لا يسعنا إلا أن نتساءل: هل أصبحت الجزائر تُصدّر جنودها كما تُصدر غازها؟
المثير للسخرية هو أن نفس النظام الذي يتغنى بالسيادة وعدم التدخل الخارجي لم يتردد في إرسال جنوده للمشاركة في واحدة من أشرس الحروب في القرن الحالي، متجاهلًا المخاطر السياسية والإنسانية التي تلاحقه. إذا كان الحياد هو أحد أعمدة السياسة الجزائرية كما يدّعون، فهل يمكننا اعتبار هذه المشاركة “حيادا عسكريا”؟ أم أنها مجرد مغامرة جديدة على غرار “اللعب مع النار في رمال الصحراء الغربية” و”استعراض العضلات في قضايا الساحل”؟
بما أن الجزائريين معتادون على الحكايات البطولية التي لا تنتهي، ربما لن تتضمن حكايات “أمي خيرة” هذه المرة قصة جنودهم في سوريا. لن تروي لهم كيف قاتلوا في شوارع حلب، ولن تحكي لهم عن زيارات مسؤوليهم المتكررة لتبييض ملفات سوداء في أروقة دمشق.
ولكن، ما الذي يمنع “أمي خيرة” من قول الحقيقة؟ ربما لأنها تعرف أن الشعب الجزائري يعيش في حالة “ألف ليلة وليلة سياسية”، حيث تروى له قصص البطولة الخيالية كل ليلة، بينما الحقيقة تبقى حبيسة الكواليس.
أزمة هوية ومأزق تاريخي
فضيحة التورط الجزائري في الحرب السورية ليست حادثة معزولة، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من التخبطات التي تكشف عن أزمة هوية سياسية، ومأزق سياسي. الجزائر التي تتخبط بين إرثها الثوري ومتطلبات البقاء في عالم سريع التغير، تجد نفسها عالقة في شباك مؤامرات إقليمية لا تجيد إدارتها.
هل ستستمر هذه المغامرات العبثية؟ أم ستستفيق “القوة الضاربة” من وهمها قبل أن تتحول إلى مجرد “قوة ضاربة في الخاوي”، تدفع ثمن حماقاتها في كل أزمة إقليمية قادمة؟
تبقى تساؤلات أخيرة، ولكن ضرورية:
إلى متى سيظل النظام الجزائري يختبئ وراء الشعارات الرنانة؟ إلى متى سيستمر الشعب الجزائري في دفع ثمن مغامرات لا تعنيه، لا من قريب ولا من بعيد؟
إن قراءة هذه الفضيحة بتمعن تكشف لنا عن سياسة قائمة على الصفقات المظلمة والمؤامرات التي لن تخبرها وسائل الإعلام الرسمية. ويبقى السؤال الكبير: هل ستظل حكاية “ألف ليلة وليلة” مستمرة، أم أن الحقيقة ستظهر أخيرا في الصفحة الأخيرة؟