الأسباب «الغبية» وراء هرولة «طرطوف» الجزائر إلى سوريا..

بقلم: زكية لعروسي

في مشهد لا يخلو من الكوميديا السوداء، اكدت شبكة اخبار سوريا أنباء رفض الرئيس السوري أحمد الشرع طلب نظيره الجزائري عبد المجيد تبون كأنها حلقة من دراما شرق أوسطية ممتدة بلا نهاية. طلب تبون، الذي نُقل عبر وزير خارجيته احمد عطاف، كان بسيطا في ظاهره: إطلاق سراح معتقلين من الجيش الجزائري ومليشيات البوليساريو، الذين وقعتهم هيئة تحرير الشام أسرى في محيط حلب. لكن الرد السوري جاء صارمًا كضربة ملعقة طاجين مغربية على يد عجوز غاضبة.

فها هو أحمد عطاف يدخل إلى دمشق وكأنه حامل جرة مليئة بالماء الساخن، يخطو بخفة على أطراف أصابعه، محاولا إقناع الرئيس السوري أحمد الشرع بقبول تسوية لا تختلف كثيرا عن نصيحة الجدة: “سامحهم يا وليدي… الدنيا فانية”.

أبلغ الرئيس الشرع وزير الخارجية الجزائري بكل وضوح أن المحاكمة تنتظر هؤلاء المعتقلين، بلا استثناء ولا مجاملة، إلى جانب عناصر من نظام الأسد اعتقلوا في نفس المعارك. وأكد أن العدالة ستأخذ مجراها وفق القواعد الدولية لمعاملة أسرى الحرب، ما يعني أن محاولات الجزائر للتفاوض في هذه المسألة قد باءت بالفشل الذريع.

لكن الكوميديا الحقيقية بدأت عندما خرج أحمد عطاف، وزير خارجية الدولة الضاربة في خيوط العنكبوت، أمام عدسات الإعلام محاولا تبرير الموقف، وكأنما يحاول تفسير وصفة قديمة كتبتها جدته بحروف لاتينية!

تصريحاته بدت أشبه بحكايات “أمي خيرة”، تلك الحكايات التي تبدأ بوعد كبير وتنتهي بسؤال لا إجابة له: “فهمت شي؟”. فالجميع كان يتوقع إجابة حاسمة، لكن احمد  عطاف اختار نهج الحكي الملتوي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. الصحفيون وقفوا حائرين، وأحدهم تساءل: هل نحن في قمة دبلوماسية أم جلسة شعبية حول كانون مشتعل في ليلة باردة؟

الخطأ القاتل الذي وقع فيه عطاف هو نسيانه أن السياسة ليست “لعبة حكّ الخيط”. الرئيس الشرع لم يترك له مساحة للمراوغة، وأغلق الباب أمام التسويات: “المحاكمة مصيرهم، والقانون الدولي هو الحكم”، عبارة أشبه بصفعة على وجه وزير الخارجية الجزائري الذي بدا وكأنه يلتقط أنفاسه في محاولة يائسة للبحث عن مخرج.

وبينما تتطور فصول هذه الدراما الدبلوماسية، يُطرح السؤال الأهم: هل أدركت الدولة الضاربة في الخواء أنها ليست في بازار شعبي يمكنها فيه المساومة؟ أم أن سياسة “قايسها بو هزاز”، ذلك المبدأ الشعبي الذي يراهن على الحظ بدلا من التخطيط، ستبقى دليلها في إدارة الأزمات الدولية؟

في كل الأحوال، دبلوماسية القوة الضاربة في العبث لم تبدُ في أبهى حالاتها هذه المرة. بل بدت كمن يحاول إنقاذ قارب يغرق باستخدام ملعقة صغيرة. الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن مصير هؤلاء المعتقلين، لكن إلى أن يحدث ذلك، من الأفضل تحضير طاجين ساخن للاستمتاع بمشاهدة هذا المشهد السريالي.