«طرطوف» العسكر الجزائري في سوريا الجديدة : «مع من راهي الجزائر اليوم؟»

 

 

 

بقلم: زكية لعروسي

في مشهد غريب لا يخلو من التناقضات، ظهر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في زيارة خاطفة لسوريا، حاملا باقة من «الودّ الأخوي» للنظام السوري. لكن إذا كنت قارئي تتابع المشهد الجزائري في السياسة الخارجية، فلن تتفاجأ. الجزائر، تلك الدولة التي تُتقن فنّ التلوّن كالحرباء، وقفت البارحة مع الأسد، واليوم تُصافح الرئيس الجديد، وفي المساء قد تهتف «عاش الشعب الحر»!

أمام هذا التغير لا نملك إلا أن نبتسم ونقول: «سبحان مبدّل الأحوال!» الجزائر التي كانت بالأمس تناصر الأسد وتدافع عن نظامه، ها هي اليوم تتحدث عن وحدة الشعب السوري، وتصافح من كانت تعتبرهم خصوم الأمس. تماما مثلما يقول المثل: «اليوم معك، وغداً يرميك!»

هذا هو شعار السياسة الجزائرية الخارجية، التي لا يُمكن التنبؤ بمواقفها إلا بمعرفة اتجاه الرياح. بالأمس القريب، كانت من أكبر داعمي نظام الأسد، تُلقي الخُطب الحماسية عن سيادة الدول وعدم التدخل الخارجي. واليوم تفتح ذراعيها لاستقبال كل طرف جديد على الساحة السورية، وكأنها لم تكن بالأمس في نفس الخندق مع النظام!

هي «مثل القنفوذ.. منين تضرب تلقى الشوك!»

نعم قارئي، السياسة الجزائرية تُذكّرنا بقصة القنفوذ: عندما تقترب منه، تظنّه ودودا، لكن سرعان ما تُفاجئك أشواكه! . فهي تبدّل الفيستا في كل مناسبة، حسب الضيف والحفل. في الأزمة السورية، كانت ترفع شعار «لا للتدخل الخارجي»، واليوم، بعدما تغيّرت الموازين، أصبحت تتحدث عن «“مصالحة شاملة»، وكأنها لم تكن جزءا من فريق التشجيع للنظام السوري منذ البداية!

في ليبيا؟ نفس السيناريو! “مع حفتر صباحا، ومع حكومة طرابلس مساءً”، وعندما يتساءل الناس عن موقفها، تجيب بجملة غامضة: “نحن مع الحل الليبي-الليبي”.
المثل الشعبي “ياكل مع الذيب ويبكي مع الراعي”

يعكس تماما مواقف الجزائر. في الأزمة الخليجية مثلا كانت تقول: “نحن على الحياد”، فلا هي مع قطر، ولا مع السعودية، لكنها في نفس الوقت تمد يدها للجميع. فسياسة “ياكل مع الذيب ويبكي مع الراعي” تضمن لها البقاء في الصورة، دون أن تحسم موقفا واضحا.

الجزائر تغيّر مواقفها مثل الذي يبدّل جلده، لكن هذا التغيّر يجعل من الصعب على الآخرين أن يثقوا بها “اللِّي يغيّر جلده ما يثبّت خطاه”. نأخذ الأزمة في مالي كمثال: يوم تقف مع الحكومة المركزية، ويوم تدعو للحوار مع المعارضة المسلحة. والنتيجة؟ لا شيء تغيّر على أرض الواقع، سوى شعارات وتصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع!

السياسة الخارجية الجزائرية تعتمد على مبدأ: “لا تغلق الباب كاملا، ولا تفتحه كاملا، خليه مواربا”، حتى تتأكّد من اتجاه الريح. في تونس مثلا، وقفت مع قيس سعيد في البداية، لكنها لم تتردد في توجيه رسائل غامضة حول ضرورة “الاستماع لصوت الشعب”.

كثرة التلوّن والمراوغة تجعل السياسة الخارجية للدولة الضاربة في النفاق تبدو تائهة، حتى للمراقبين. وكما يقول المثل: “لّي يمشي بزاف يضيع طريقه”، وهذا ما حدث مع الجزائر في الكثير من الأزمات الإقليمية، من ليبيا إلى سوريا ومالي.

الجزائر تبقى وفية لنهجها الرمادي، تغيّر مواقفها مثل الحرباء، تتلون حسب الموقف لكنها تحرص دائما أن تكون حاضرة في كل مشهد، فالمتابع العربي أصبح يشاهد السياسة الجزائرية وكأنها مسرحية عبثية. تصريح هنا، زيارة هناك، اجتماعات طارئة في الجامعة العربية… والنتيجة؟ الجزائر باقية في دور المراوع.

الدبلوماسية الجزائرية او “الحرباء السياسية”، ستبقى مثالا حيا على فنّ التلوّن في السياسة الخارجية. فاستعد يا قارئي لمزيد من المشاهد الساخرة والزيارات المفاجئة والتصريحات المُلتبسة… واللعبة مستمرة والمسرحية السياسية لا تزال في بدايتها والتي عنوانها “مع من راهي الجزائر اليوم؟”!